بين الوطن والمنفى: السنونو رمز الاغتراب في أعمال غسان غائب
دنيا صاحب - العراق
في خطوة فنية عميقة ومؤثرة، شارك الفنان العراقي غسان غائب في معرض LACDA الفني بمدينة لوس أنجلوس، حاملاً معه مشروعًا بصريًا يعبر عن معاناة اللاجئين وتداعيات اللجوء من منظور فني وإنساني، من خلال عمله الذي حمل عنوان "رحلة السنونو". يعد هذا العمل نقطة تحوّل كبيرة في مسيرة غائب الفنية، حيث يتناول تجربة اللجوء في سياق يدمج بين الأبعاد الشخصية والكونية، مقدماً رؤية جديدة للمشاهد العالمي حول ما يعنيه التهجير القسري والانتماء في ظل العالم المعاصر.
"من الذاكرة الشخصية إلى الرسالة العالمية"
في تصريح له ضمن البيان المرافق لمشاركته في المعرض، يشير غسان غائب إلى أن فكرة "رحلة السنونو" استُلهمت من صورة الطائر المهاجر الذي يعود دائمًا إلى عشه الأول، وهو تصوير رمزي يعكس مسار حياته الشخصية منذ بداية لجوئه إلى السويد عام 2007، عندما وجد نفسه غريباً في وطن لا يرحب به. ثم استمر مساره في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت البداية مظلمة من حيث الأمان، ليكتشف أنه لا مهرب من واقع اللجوء المستمر. في هذا السياق، يرى غسان غائب أن معاناة اللاجئين ليست مجرد حالة فردية، بل هي قضية إنسانية عالمية يعاني منها الملايين الذين يسعون للبحث عن وطن ومكان آمن.
"الفن كوسيلة للتوثيق الإنساني"
من خلال هذا العمل، يتوجه غسان غائب إلى توثيق الواقع المأساوي الذي يعيشه اللاجئون حول العالم الذين يحاولون النجاة من الحروب، والاضطهاد السياسي، والمجاعة، والتطهير العرقي. وتُعد "رحلة السنونو" بمثابة شهادة حية تترجم معاناة هؤلاء الأفراد الذين يخوضون معركة يومية للبقاء على قيد الحياة. ورغم أن هذه القضايا تؤثر على الملايين حول العالم، إلا أن غسان غائب يختار أن يبرز هذا الموضوع من زاويته الشخصية، وهو ما يضفي على العمل بعداً إنسانياً عميقًا.
يسلط غسان غائب الضوء على أسئلة حول اللجوء كخيار لا يمكن فرضه على أحد، بل كقدر مفروض نتيجة للظروف القاسية التي يعاني منها الإنسان في مناطق النزاع والحروب. في كل جزء من العمل، يفتح غائب نافذة للتأمل في معنى اللجوء الذي يظل غائباً عن اختيار الإنسان، بل هو واقع حتمي يواجهه كثيرون بعد أن تصبح بلادهم غير آمنة.
'الهوية والاغتراب: بين الذات والآخر"
يتجاوز العمل الفني في "رحلة السنونو" التوثيق البصري البسيط لمأساة اللجوء ليصل إلى مستوى أعمق يعكس رحلة البحث عن الهوية والانتماء في ظل عالم متغير. غسان غائب لا يركز فقط على المعاناة الجسدية للمهاجرين، بل يسبر أغوار الاغتراب الداخلي الذي يعيشه الفرد في سعيه لإيجاد مكان له في مجتمع جديد يرفض أحيانًا استقباله. على غرار الطائر الذي يحمل حقيبته في كل مرة يعود فيها إلى وطنه، يتجسد غائب في هذا العمل كلاجئ يحمل ذاته وحقيبته من مكان لآخر، يظل يبحث عن "عش" دائم، دون أن يجده.
هذه الأبعاد النفسية والوجودية التي يطرحها غسان غائب تثير الكثير من الأسئلة حول ماهية الهوية في ظل القسوة الاجتماعية والتحديات التي يواجهها اللاجئ، بدءاً من التمييز العنصري، واختلاف اللغة، وصولًا إلى صعوبة التأقلم مع نظام جديد. "رحلة السنونو" لا تكتفي بتوثيق الألم، بل تتحول إلى مرآة تعكس التحديات التي يواجهها الإنسان وهو يحاول الحفاظ على ذاته وسط عالم غير مرحب به.
'الرسالة الإنسانية: تجنب الحروب والتهجير القسري"
مع انتهاء المعرض، يؤكد غسان غائب في بيانٍ له أن "رحلة السنونو" لا تقتصر فقط على توثيق مأساتهم الفردية، بل تحمل رسالة عالمية تدعو إلى تجنب الحروب والصراعات التي تؤدي إلى الهجرة القسرية. في عالم يعجّ بالنزاعات والحروب، تبرز رسالة غسان غائب كدعوة للسلام والتعايش والتفاهم بين الشعوب، وكذلك ضرورة تبني سياسات عادلة ومانحة للإنسانية.
الفن هنا ليس مجرد ترف، بل هو أداة للمناصرة والتغيير، وسيلة لفهم المعاناة التي يواجهها البشر في مناطق الحروب والصراعات. كما يعد بمثابة وسيلة للتأثير على الوعي الجماعي على مستوى العالم، محاولًا خلق مساحة للحوار حول قضايا اللجوء وأثرها على الأفراد والشعوب. بهذه الطريقة، يتمكن غسان غائب من تحويل معاناته الشخصية إلى قضية إنسانية شاملة تُعنى بالجميع.
"الفن كوسيلة للتغيير الاجتماعي"
باستخدامه الفن كأداة للتغيير، يفتح غائب مساحة للمشاهد للتفاعل مع قضايا اللاجئين، حيث يجذب الأنظار إلى التحديات اليومية التي يواجهها اللاجئ في سعيه للسلامة والاستقرار. ويُعتبر هذا العمل بمثابة دعوة للتمعن في المصير الإنساني المشترك، حيث إن مأساة اللجوء ليست محكومة بجغرافياً أو ثقافة معينة، بل هي قضية إنسانية عابرة للحدود.
يقدّم غسان غائب في "رحلة السنونو" أكثر من مجرد انعكاس لحالة اللاجئين، بل هو دعوة مفتوحة للتفاعل مع العالم والمساهمة في وضع الحلول التي تجنب البشر ويلات الحروب والتشرد. هذا العمل الفني يعيد تأكيد دور الفن في تشكيل الوعي العالمي وفتح النقاش حول قضايا إنسانية معقدة لا يمكن تجاهلها.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع