القائمة الرئيسية

الصفحات

دراسة نقدية لديوان "ألفية الجزائر" للشاعر إبراهيم قار علي إبراهيم قارعلي ومقارنة بسيطة مع "إلياذة الجزائر" لمفدي زكرياء - رابح بلحمدي

 



### دراسة نقدية لديوان "ألفية الجزائر" للشاعر إبراهيم قار علي إبراهيم قارعلي ومقارنة بسيطة مع "إلياذة الجزائر" لمفدي زكرياء

بقلم الأستاذ رابح بلحمدي 

### مقدمة:

ديوان "ألفية الجزائر" للشاعر الإعلامي إبراهيم قار علي هو عمل شعري يُعبر عن عمق الروح الوطنية والحضارية للجزائر، مستندًا إلى التاريخ والأحداث الواقعية التي شكلت الوجدان الوطني الجزائري. سنقوم في هذه الدراسة بتحليل الديوان من منظور بنائي، سيميائي، أنثروبولوجي، أيديولوجي، وذاكرتي نفسي، مع مقارنته ببعض جوانب "إلياذة الجزائر" للشاعر الكبير مفدي زكرياء.

### المنهجية النقدية:

### **1. الدراسة البنائية (Structural Study):**

في التحليل البنائي، يُركز على شكل العمل الأدبي وتركيبه، مع مراعاة العلاقات الداخلية بين عناصره. في "ألفية الجزائر"، يمكن ملاحظة أن الشاعر استند إلى نفس البناء الذي اتبعه مفدي زكرياء في "إلياذة الجزائر"، حيث يتألف الديوان من مائة مقطع، وكل مقطع يحتوي على عشرة أبيات، مما يجعل المجموع ألف بيت.

البناء الشعري هنا ليس مجرد إطار هيكلي، بل يعكس انسجامًا بين الشكل والمحتوى، إذ أن تكرار اللازمة "لك يا جزائر يا تراتيل الصلاة هذه القصائد من أناشيد الحياة" يشير إلى القداسة والوطنية، كما يعكس تعبير الشاعر عن حبه للوطن بطريقة تكرارية تؤكد على الثبات والاستمرارية.

###**2. الرؤية السيميائية (Semiotic Vision):**

السيميائية تركز على دراسة العلامات والرموز في النصوص وتحليل معناها. غلاف "ألفية الجزائر" يحمل دلالات سيميائية قوية، حيث يصور أمواجًا من الدم ترفع مجموعة من الأشخاص العلم الجزائري الكبير نحو الأعلى، مع شعار الذكرى الستين لاستقلال الجزائر. هذه الصورة تعبر عن التضحية والوحدة الوطنية، في ظل اللونين الأخضر والأبيض اللذين يرمزان للأمل والنقاء، بينما يشير اللون الأحمر إلى الدماء التي سالت من أجل حرية الجزائر.

أما العنوان "ألفية الجزائر"، فهو في حد ذاته علامة سيميائية، تربط بين العمل الأدبي والهوية الوطنية الجزائرية، وهو ما يتضح في تناول الشاعر لتاريخ الجزائر ورموزه في الأبيات الشعرية.

###**3. الرؤية الأنثروبولوجية (Anthropological Vision):**

التحليل الأنثروبولوجي يدرس الثقافة الإنسانية والسياقات التاريخية والاجتماعية. في "ألفية الجزائر"، نجد أن الشاعر يربط بين الحضارات المتعاقبة على الجزائر ويؤكد على الهوية العربية والإسلامية للأمة الجزائرية. يتناول الشاعر قضايا الذاكرة الجماعية وكيف أن أحداث التاريخ تشكل جزءًا من الهوية الثقافية.

المقاربة الأنثروبولوجية تؤكد على أن الفينيقيين، الذين يُعتبرون من العرب القادمين من جنوب لبنان، كانوا من أوائل السكان الذين استقروا في شمال إفريقيا، مما يشير إلى وجود عنصر عربي في المنطقة قبل الإسلام بفترة طويلة. الفينيقيون، الذين أسسوا قرطاج ومدنًا أخرى على ساحل البحر الأبيض المتوسط، لعبوا دورًا كبيرًا في تكوين الهوية الثقافية للمنطقة.

وعندما جاء الفاتحون العرب بقيادة عقبة بن نافع في القرن السابع الميلادي، كانوا يسيرون على خطى أسلافهم الفينيقيين. هذا يعزز الحجة القائلة بأن اللغة العربية والثقافة العربية كانت موجودة في المنطقة قبل الإسلام، وأن الفتح الإسلامي لم يكن إلا عاملًا في تعزيز ونشر هذه الثقافة.

### **4. الرؤية الأيديولوجية (Ideological Vision):**

الدراسة الأيديولوجية تركز على تحليل الأفكار والمعتقدات التي ينقلها النص. "ألفية الجزائر" تحمل رؤية واضحة لصراع الحضارات، حيث يشير الشاعر إلى أن الصراع في الجزائر هو بالأساس صراع حضاري، يعكس التماسك الوطني والقوة الروحية للأمة.

الشاعر ينطلق من موقف أيديولوجي واضح يتبنى الدفاع عن الهوية الوطنية والدينية للجزائر، معتبرًا أن الثقافة العربية والإسلامية هي الأساس الذي بنيت عليه الشخصية الجزائرية.

### **5. الذاكرة الوطنية والنفسية (National Memory and Psychological Perspective):**

تحليل الذاكرة الوطنية والنفسية يركز على كيفية تمثيل الذاكرة الجماعية للأمة ودورها في تشكيل الهوية. في "ألفية الجزائر"، نجد أن الشاعر يحيي ذكرى الشهداء والمجاهدين، ويعزز من فكرة أن الاستقلال والنضال جزء لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية الجزائرية.

اللازمة الشعرية في الديوان تعكس ارتباطًا نفسيًا عميقًا بين الشاعر ووطنه، حيث يتحدث عن الجزائر بصيغة المديح والثناء، مع استدعاء الرموز الوطنية التي ساهمت في تحرير البلاد.

### **المقارنة بين "ألفية الجزائر" و"إلياذة الجزائر":**

من حيث الشكل، لا توجد فروقات كبيرة بين العملين، فكلاهما يعتمد على نفس البناء الشعري المكون من ألف بيت شعري موزعة على مائة مقطع. لكن الفارق الزمني بين الديوانين يُعد عاملًا هامًا، إذ أن "ألفية الجزائر" جاءت بعد خمسين سنة من "إلياذة الجزائر"، مما يجعلها بمثابة استمرارية للأدب الوطني الجزائري.

كلا العملين يشتركان في تمجيد تاريخ الجزائر ورموزها، لكن "ألفية الجزائر" تضيف بعدًا أيديولوجيًا يتعلق بالصراعات الحضارية في العصر الحديث، بالإضافة إلى تناول بعض القضايا المتعلقة بالهوية الوطنية في زمن الحروب السيبرانية.

لفهم الهوية العربية لشمال إفريقيا، من الضروري إعادة النظر في التاريخ من منظور أوسع، يشمل الأنثروبولوجيا وتطور اللغات والثقافات في المنطقة. هذه الدراسة توضح كيف أن اللغة العربية والثقافة العربية كانت موجودة في المنطقة قبل الإسلام، وأن الفتح الإسلامي لم يكن إلا عاملًا في تعزيز ونشر هذه الثقافة.

### **الختام:**

ديوان "ألفية الجزائر" هو عمل شعري ملحمي يعكس الهوية الوطنية الجزائرية ويحتفي بتاريخها العريق. من خلال هذه الدراسة، حاولنا تحليل الديوان من عدة جوانب نقدية، وإبراز العلاقات بينه وبين "إلياذة الجزائر". يبقى "ألفية الجزائر" شهادة حية على استمرار الروح الوطنية الجزائرية، وتأكيدًا على أن الشعر ما يزال يحمل شعلة الهوية والمقاومة في وجه التحديات الحديثة.


Reactions

تعليقات