قراءة في نص شعري عراقي
يصيح النوخذه گصروا الشواريف
شنگصر والهوى البالوجه عالي
وجاري الماي غرگها المشاحيف
يلن روجه بده يهد الچوالي
بعد ماتلحگ آعليها الغراريف
غطاها الماي شتفيد الدوالي
أشوجبنه العمر زم ليف دگ ليف
شمانشمر دلونه يعود خالي
نعض بس بالابهام نصيح ياحيف
وبعد ماينفع الياحيف تالي
يلن وكتي عليه مسلط السيف
من هذا الوكت كل مفر مالي
أنه هموم العليه بعالم الطيف
وباليقظه من أفز مشدوه بالي
يل بطران عندي أشظال من كيف
تجر ببتوت گلبي وماتبالي
هذا هو نص (النوخذه)
للشاعر نعمه رحيم السيلاوي
قراءتي الأنطباعية لهذا النص
اغنية اخرى من اغاني البحر الحزينة أعد نوطتها لنا هذا اليوم ملاح من الفرات هو الشاعر نعمه رحيم السيلاوي أغنية تحمل ثقل الهم العراقي الذي مافارق القلوب وقد توارثته الاحفاد عن الآباء عن الاجداد
هذه الاغنية الحزينة قصيدة من وزن (النصاري)
تحمل عنوان (النوخذه)والنوخذه كما يعرف البعض هو مالك السفينة وربانها وهو الذي يتحكم بمصائر كل الملاحين ولقمة عيشهم بل حتى حياتهم متوقفة على رضاه وهو أشبه الناس حالا بالاقطاعي كأنهما وجهان لعملة واحده الأول سيد البحر والثاني سيد البر ولأن السفن في مامضى لم تكن تعمل بقوة المحركات التي لم تكن قد اخترعت بعد فقد كانت السفن تسير اعتمادا على الاشرعة وقوة تجذيف الملاحين اما السفن التجاريه الكبيرة التي كانت تنقل البضائع من مدينة الى اخرى فقد كانت تربط بحبال تسمى الشواريف يجرها ملاحين على اليابسه الى ان تصل الى مبتغاها
وتبدأ القصيده بصراخ النوخذه على الملاحين طالبا منهم تقصير الحبال حتى لاتبقى السفينه مضطربة في البحر وأنى لهم لهم ذلك والريح العاصفة تضرب وجوههم وامواج البحر العاتية تجرف السفينة الى حيث تريد وهاهي قد اغرقت المشاحيف وهي مراكب الصيادين الصغيره و بدأت الامواج تهد الجوالي وذلك معناه ان الامواج بدأت تضرب الضفاف الطينية للبحر وتهدمها بفعل قوة ارتطامها بالساحل ويبدو ان السفينة مثقوبة لان الشاعر يقول( بعد ماتلحگ اعليها الغواريف) اي المجاذيف ثم يستطرد ويقول (غطاها الماي شتفيد الدوالي) والدوالي هي دلاء صغيرة يستخدمها الملاحين لأفراغ سطح السفينة من الماء الذي يتجمع فيها من الأمطار اومن جراء رشق الامواج عليها وتكدس الماء في حوضها كل هذه المعاناة وهذا الارهاق الذي يعاني منه الملاحين جراء غضب الطبيعه التي تبدد جهودهم وتجعل الأمور عصيه عليهم والنوخذه يتقلب في نعيم دائم في بحبوحة ورغد من العيش وماعليه سوى اصدار الأوامر المتعسفه وما على الملاحين الاشقياء سوى ان يشدو الحزام ويشدو الحزام الاولى من الجوع والثانيه للعمل المرهق
صورة من الماضي المؤلم التقطتيها عدسة السيلاوي بدقه وايجاز والشاعر هنا ياخذ دور الراوي وينغمس في تداعيات الذاكره التي تستحضر الالم بكل دقائقه وردود افعاله ويغدو صوته صوت الجوقه ولسان حال المضطهدين الذي يصرخ الى متى يدوم هذا الحال
الشاعر يبدأ بأستعراض الماضي معطوفا على الحاضر بقوله (اشوجبنه العمر زم ليف دك ليف )والشاعر هنا يصف تلك السنين الضائعه وتلك الجهود المهدوره بصناعة الحبال التي يدخل الليف عنصرا مهما فيها ويبدو ان تلك العملية معقدة تتطلب الكثير من الجهد والزمن وما اظن الشاعر استوحى هذه الصورة الامن الانتظار الطويل للفرح وخيبات الامل المتكرر عقب هذا الانتظار اللامجدي وهذه الخيبة والاحباط يوصلان الى نتيجة مؤلمة اشد وقعا حين يقول يائسا متذمرا
(شما نشمر دلونه يعود خالي)بعد كل العطش الشديد والوقوق طويلا على البئر ولكن الدلو يعود خاليا في كل مرة . الايام لاتأتي بجديد الصبر لايعود بفائده لاشي تغير حد الان لاشي سوى طعم المرارة في الحلق الذي شرب الحنظل مما يدعو الشاعر الى يعض ابهامه من الحسرة والندامه ولكن على ماذا يندم هل يندم على عمره الذي راح هدرا ام على احلامه التي تلاشت كجهود الملاحين حيث سلطة النوخذة عليهم كالسيف المسلط على رقبة الشاعر ليشير الى نوخذة اخر أكبر واقسى ولامفر من قبضته المحكمة التي زرعت الهموم في قلب الشاعر بصورة دائمية فهي تلاحقه ليلا في عالم الاحلام كوابيسا مفزعة تسد عليه طريق الهروب من واقعه الموجع يهرب الى الصحو فلا يجد سوى الواقع المرير يسد عليه كل المنافذ (ومن هذا الوكت كل مفر مالي)الى هنا وتنتهي اغنية البحر الحزينه وصلة النشيج التي اطلقها الملاح العراقي المثخن بالاحزان ومازال البطران يطلب المزيد وكأنما اطربته بحة هذا البكاء واحدثت في نفسه نشوة مفاجئه الا ان الشاعر ينهره بآخر الانفاس التي مازالت تردد في صدره المثقل بالهموم (يل بطران عندي شضال من كيف تجر ببتوت گلبي وماتبالي ... نعم سادتي أنه العراق
هاشم العربي
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع