متى نتطوّر؟
نبتلع الطّعم بسهولة فنتألّم ولا نشكّ ولو للحظة أنّ صائدا متربّصا بنا أغرانا وألحق بنا ضررا فصادنا. ثمّ يضعنا في مقلاته ليجعل منّا لقمة شواء له ولأعدائنا، وعوض أن ننتفض عليه لنستردّ حياتنا، نستسلم وندعو من نجا أن يلتحق بنا. عجبا، صرنا قاب قوسين أو أدنى من أن يبتلعونا ولازلنا نكذب على أنفسنا بأنّ صائدنا هو من يريد بنا خيرا فنحن لا نحسن العيش بدون مصيدة ولسنا قادرين على صنع ما يحيينا بكرامتنا. انطلت علينا حكايا وقصص خياليّة من صنعنا ومن صنع أعدائنا ورحنا نؤسّس لها بنودا ومقاييس وعلى أساسها نقيّم من يحبّ البلد ومن هو عدوّها. صرنا نقيّم من يفهم معنى الدّولة ولا يفهم. بل ذهبنا لنأتي بشاهد من بين الّذين يصطادوننا كي نحتكم إليه، وليقضي بيننا في ما اختلفنا فيه. كم هو غريبا أيضا أن نختبئ وراء أقنعة صنعها غيرنا ولبسناها ثمّ اقتنعنا أنّ ذلك في الأصل مظهرنا. نسينا ألواننا وأذواقنا ورحنا نقتني من باعة أغراب أقمشة لا يمكن أن تنسجم مع ألوان جلودنا، رغم أنّ المشهد لم يخل من أناس انتبهوا إلى كلّ سيناريوهات المتخاتلين وصرخوا فينا لنفهم ما لنا وما علينا لكنّ أخذتنا العزّة بالذّلّ والمهانة وألفينا وراء ظهورنا كلّ القصص الجديرة بالاستماع وانجبذبنا طوعا إلى تفاهات وسلّمنا بأنّها المنقذ من الانهيار. من وتّد قدمه في أصوله وتراب أرضه لا تنطلي عليه الفكر التّافهة والقصص المغرية فأصله ثابت وهو ينهل من ثوابته. ومن كان مرتعشا، تتلاعب به السّماسرة، ويغرونه بالتّخلّي عن ثوابته ليكون "رابحا" أو "فائزا" وبذلك ينزلق ويسقط في أحضانهم. حقيق بنا أن نتطوّر ونساير مقتضيات العصر لكن لن يكون فكرنا صائبا إذا قفز عن الواقع وراح يجلب الأفكار من كلّ صوب وحدب ليلبسها لواقعنا ويجعلها فلسفة وقانونا لتطوّرنا. نحن شعب له واقع معيّن يشترك في ثوابت قد نضيف إليها ونحوّر في بعض بنودها مسايرة للتّطوّر ولكن بالرّجوع إلى قدراتنا وإمكانيّاتنا وأخيرا وليس آخرا بالرّجوع إلى ما نريده نحن لنتطوّر وليس ما يريده الغير لنا.
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع