جميل أن يطرح الأدب مشاكل اجتماعية، خاصة تلك المتعلقة بهموم المرأة ومشاكلها، والأجمل أن يأتي ذلك الطرح بلغة أدبية واسلوب شيق، حيث يكتمل الجمال المعرفي بالجمال الأدبي، وفي رواية "رحلة إلى ذات امرأة" نجد الجمالين معا، فرغم أن الموضوع قاسي، يتحدث عما تعرضت له "حنان" من ظلم اجتماعي، خاصة بعد أن تم تزويجها من "عمر" وما تبعه من خلافات ومعاملة قاسية من زوجها وحماتها، وعندما شكت لأمها ما تمر به بسبب تلك المعاملة، كان ردها: أن عليها أن تحافظ على زوجها، وأن الطلاق غير مقبول في العائلة، وهذا ما جعلها تستمر في عذابها إلى أن بلغت القسوة ذروتها، فتم حرق كتبها وضربها من قبل "عمر" وهنا يتدخل الأب ويقوم بدور إيجابي ويقف إلى جانب ابنته إلى أن يتم الطلاق.
وضمن الأحداث نجد أختها "غادة" تلك الفتاة الحاقدة على كل شيء، وذلك بسبب جمالها المتواضع، حيث ساهمت في إلحاق الأذى ب"حنان" ومحاصرتها حتى في البيت، وهذا ما دفعها إلى البحث عن منزل خاص بها ولبحث عمل يعليها ويعيل ابنتها "شروق"، تنجح في ذلك، وهنا تطلعنا "حنان" على حالة المطلقة وكيف ينظر إليها المجتمع على أنها خاطئة/ناقصة مما جعلها تتعرض لاضطهاد جديد.
تقرر أن تبدأ حياتها متجاوزة كل العقبات التي تواجهها، وتبدأ العمل في مؤسسة تهتم بقضايا النساء، وهنا تطلعنا على مشاكل الزوجة الثانية وكيف هو حالها، ورغم تألقها وإخلاصها في عملها إلا أن مديرة المؤسسة تقرر الاستغناء عن خدماتها وذلك تحت ضغط زوجها والمجتمع.
وبهذا تعطينا "حنان" صورة المرأة القوية التي تجاوزت المجتمع الذكوري وكيف أنها استطاعت أن تنجح في عملها، وصورة مديرة المؤسسة، المرأة المستسلمة للمجتمع، فرغم أن المديرة لم تتعرض إلا لما هو متعلق بالمؤسسة ولم يمس شخصها أي أذى، إلا أنها خضعت واستجابت للضغوطات واستسلمت لها، وبهذا تكون قد شاركت المجتمع في ظلمه لحنان بعد أن تخلت عن خدماتها.
"ماري" صديقتها الوفية كانت الملاذ لها، فهي من استمعت لمشاكلها ووقفت معها، فبعد أن تم إنهاء خدماتها من المؤسسة تقترح عليها الهاجرة إلى فرنسا، وهناك تبدأ صفحة جديدة من خلال عملها في الصحافة، حيث تتعرف على "نادر شعان" الذي يبدأ بالتقرب منها، وبما أنه وسيم ويعرف كيف يُعامل النساء فقد أعجبت به "حنان" وتكلل هذا الحب بالزواج.
لكن بعدها تلاحظ "حنان" أن زوجها يكثر من السهر خارج البيت، تفاتحه بهذا الأمر إلا أنها لا تجد ما يثر الشبهات، وتقرر أن تتجاوز عن هذه المعضلة لأن زوجها يحبها ويعاملها بلطف ورقة.
لكن تتفاجأ أنه يقرر بيع البيت والشركة التي يديرها ويقرر السفر إلى الكويت ليبدأ من جديد، وفي سفر تكون رسائله قليلة لها، وبعد زمن تأتي الشرطة لتخبرها أن زوجها كان مقامرا وقد خسر كل أملاكه، وأن دائنيه قاموا بقتله، وهنا تكون الصدمة التي أعادة "حنان" إلى وطنها، لتبدأ حياتها كمطقة وكأرملة.
هذا ملخص لأحداث الرواية، لكن لا بأس من التوقف قليلا عند بعض المحطات، الرواية بغالبيتها تتحدث عن القسوة التي تعرضت لها "حنان" من أمها التي وضعتها تحت ضغط المجتمع من أيام خطبتها "لعمر"، إلى أختها "غادة" التي تريد (التخلص منها) ليفتح باب الزواج أمامها، وبعد زواجها من "عمر" وجدته ضعيفا أمام أمه، ومتقلبا في تعامله مع المجتمع ومعها، وهذا ما جعله أقرب إلى شخص يعاني من انفصام في الشخصية، حيث يبدي اللين والاحترام للآخرين، بينما يعامل زوجته بقسوة واحتقار، فالرواية (غارقة) في مشاكل المرأة وهمومها، وهذا تأكد بعد أن عملت "حنان" في المؤسسة التي تعنى بمشاكل النساء، حيث اطلعتنا على الأسباب والحيثيات التي تدفع الفتاة لتكون زوجة ثانية.
لكن هناك مشاهد فرح متعلقة "بماري" حيث تزوجت من الشباب الذي أحبه والذي أخذها إلى فرنسا لتعيش حياتها كما ينبغي، لكن طول هذا الفصل (11) لم يتجاوز الصفحتين فقط، لتعود "حنان" إلى سيرتها الأولى والحديث عن القهر والظلم والضغط الواقع عليها، وهذا الأمر تكرر أيضا عندما تحدثت عن سفرها إلى فرنسا الفصل (13) حيث اكتفت بصفحتين فقط لتتحدث عن مرحلة خروجها من الجحيم إلى الجنة، وهذا الأمر يثير أسئلة، لماذا لم تتحدث "حنان" عن مشاهد الفرح بغزارة وسهاب؟، هل هناك (عقدة) تعاني منها جعلتها (غارقة) في مشاهد الألم والقسوة؟ ولماذا لم تجعل صديقتها (ماري) تتحدث بصوتها، واستمرت في سرد الأحداث وحيدة، فكانت صواتها الوحيد المسموع؟.
اعتقد أن فكرة الرواية المتعلقة بهموم المرأة ومشاكلها جعلت "حنان" غارقة فيها، بحيث لم يتح لها أن تتناول جوانب الفرح والسعادة، وهذا ما أكدته هي ـ بطريقة غير مباشرة ـ عندما تحدثت بإسهاب وتفاصيل عن ليلتها الأولى مع "عمر" وكيف عاملها بخشونة وصلت حد الاغتصاب، بينما مرت مرورا عابرا وسريعا على ليلتها مع "نادر"، وأيضا نجدها لم تتحدث ـ كما ينبغي ـ عن ابنتها "شروق" الناجحة والمتفوقة في دراساتها وحياتها، ولم تدخلنا إلى مراسم/مظاهر فرحها بعد أن تزوجت، فهي كأم/كامرأة عانت من الزواج بالإكراه يفترض أن تسعى لتعوض هذا الأمر بإبداء الفرح والسعادة بزواج ابنتها التي اختارت شريكها بنفسها، لهذا نقول أن "حنان" تتجنب الحديث عن الفرح/السعاد، وهذا يأخذنا إلى شخصيتها المخلصة والمتفانية في عملها، ألم تنجح في المؤسسة وفي الصحافة؟، فأرادت أن تكون مخلصة لروايتها وللفكرة التي تحملها، هموم المرأة ومشاكلها في المجتمع الذكوري، فكان سردها للأحداث وجحم الفصول يخدم فكرة الرواية.
الرواية من منشورات دار الشامل للنشر والتوزيع، فلسطين، الأردن، الطبعة الأولى 2023
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع