حديث النار "قصة"
عماد ابوزيد / مصر
- تعالى يا واد يا صابر.الشيخ يناديه بحرارة؛ ليشاركه الالتفاف حول قطع الخشب التي تأكلها النيران. رُّبما كانت سُنّةً مؤكدة لديهم يوميًا، وليس استثناءً؛ فليالي الشتاء طويلة وباردة.
يقبل صابر إلى النار، يتأهب للقعود، فيرفع الجلباب فوق ركبتيه، يجلس على أطراف أصابع قدميه قبالة الشيخ، أمام العمارة الجديدة في شارع المحطة.
الشيخ يمد يده إلى النار مُلْتَمِسًا دفئها، وعيناه تحدقان بشبق فيما بين فخذيّ صابر.
كان العم أبو الحديد يقعد أمام النار أيضًا، عند دورة المياه الكبيرة، في المدرسة كما يقعد صابر، قبل نحو ثلاثة عقود من اليوم. كنا صغارًا في الصف الأول أو الثاني الابتدائي، وكانت هناك دورتان للمياه في المدرسة، الدورة الكبيرة عند الدرج الخلفي للمبنى؛ حيث يمكن بعد السير في ردهة طويلة، الصعود إلى أسرة صغيرة تقطن بالطابق الثاني، أعلى الفصول الدراسية، تعمل في خدمة الكنيسة، وللكنيسة باب داخلي يفتح على "حوش" المدرسة.
كنا نفرح بوجودنا في هذه المدرسة؛ فهي بمثابة الحديقة الخلفية للكنيسة، وإن لم نكن فيها فكنا سنحرم من إجازة يوم الأحد، يوم القداس الأسبوعي.
أبو الحديد من أصحاب البشرة السوداء، يسكن في شارع جانبي بالقرب من المدرسة، عُرِفَ بشارع الصعايده، وجوه كل من فيه تُبرهن على نزوحهم من الجنوب، وكان محمد بن أبي الحديد معنا في الفصل، نسرق وقتًا؛ للعب في الفناء باستئذان المعلمة؛ مُدعين الذهاب إلى دورة المياه. وكان محمد يبتسم لنا حينما يرى أباه جالسًا أمام النار.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع