أقصوصة "الذئب يحرس الخرفان"
منير الجابري / تونس
تفحص رمزي الملفات، الواحد تلو الاخر الي ان انهي اخر ملف تنفس الصعداء ٠فهو منذ الثامنة صباحا منهمك في العمل٠
غادر مكتبه وصعد سيارته الفخمة واتجه الي أقرب مطعم
ولج الي داخله وجلس في احد اركانه ٠
اقبل عليه النادل مسرعا وهو يبتسم وقال له
_ما هي طلباتكم سيدي ٠
رد عليه _ اريد سمكا مشويا مع مشروب غازي
جذب رمزي هاتفه كي يتطلع الي اخر الرسائل والمنشورات التي وصلته اليوم ٠فهو لم يواكبها طيلة فترة الصباح، نظرا لانشغاله بالعمل٠
تصفح جداره رويدا رويدا، اعترض سبيله طلب صداقة من فتاة، تسلل بسرعة الي صفحتها، فوجدها تعج بالصور ٠
شدت انتباهه لرشاقة جسدها وجمال صورها ٠قبل دعوتها بسرعة ٠ صمت قليلا ثم اتخذ قرارا بمخاطبتها عبر الخاص
حتى يعرفها اكثر ٠
فجأة اقبل عليه النادل وبيده طبق الاكل، تنبعث منه روائح لذيذة ٠ ترك الهاتف جانبا وانغمس ياكل بشراهة ٠
وما ان انهي طعامه تحول إلى مقهى حذو المطعم ٠
طلب كأس شاي ثم أشعل سيجارة ودفع بسحابة من الدخان خرجت تتلوي في فضاء المقهى ٠
عاد رمزي بسرعة الي الخاص عساه يفوز بموعد مع الفتاة
طلب منها ان يلتقي بها هذا المساء ٠
في البداية تمنعت وترددت واخيرا قبلت الفكرة وابدت رغبتها في اللقاء به ٠
عاد رمزي الي عمله وهو يفكر في الفتاة محاورا نفسه
_هل ستفي بوعدها وتاتي او تختلق اعذارا تمكنها من الافلات
من الموعد ٠
مر الوقت مسرعا، وجاء موعد اللقاء ٠تحول رمزي مسرعا ٠
الي مقهى يقع على سفح هضبة صغيرة تطل على البحر مباشرة ٠كان الجو ممطرا لان فصل الخريف بدا يلملم شتاته
نحو الرحيل ٠
مكث رمزي داخل المقهى يرقب مدخلها بعيون ثاقبة ٠
نظر الي ساعته ثم رفع بصره، جلبت انتباهه فتاة كأنها تبحث عن شخص ما ٠ رفع هاتفه ٠اسرعت اليه وهي تظهر ابتسامة خفية ٠
تاملها جيدا، فارتسمت السعادة على محياه ٠
انها غادة، كانت تردي بنطلونا جينز وكعب عال ٠تحدث
طقطقة متناسقة وجمازة لونها جذاب ٠
تحمل بيدها اليسرى حقيبة ٠ جلست قرب رمزي
وكانت الفرحة تظهر في عينيها الواسعتين ٠
خفق قلبها لوفاء رمزي بوعده ٠
طار لبه بسبب رقتها ونعومتها وجمالها الفاتن
تجاذبا أطراف الحديث قال رمزي
_اعمل في بنك منذ مدة طويلة واملك سيارة فخمة وفيلا أنيقة في حي راقي ٠ وبعض الاسهم في عدة شركات في البورصة٠
رسمت غادة ابتسامة خفيفة على شفتيها ثم قالت
_انه ليوم جميل ان تجتمع فيه الصدف السعيدة، انا بدوري اشتغل في بنك في قسم الشؤون المالية والقانونية ٠ وقد تجاوزت العشر سنوات ٠
حدق رمزي في وجه غادة طويلا
_لقد شعرت بفرح لايوصف بوجودك هذا المساء، عيناك فيهما بريق يتلالا، حتى هيئتك تختلف عن كل النساء اللواتي اقتربت منهن ٠
مد يده َيلامس اصابعها،
رفعت غادة بصرها وفد أصابها الخجل، احمرت وجنتاها
لقد كانت في أمس الحاجة إلى فسحة بهذا الشكل،
فهي لم تصدق ما شاهدته وعاشته، تسارعت دقات قلبها وقالت _كل ما اخشاه ان لا تكون هاته اللحظات حلما ٠ فقد كانت كلماتك ساحرة، كان لها صدى عندي، اول مرة اعيش هذا الاحساس، جعلتني اسبح في الفضاء، فتحت لي ابوب الدنيا على مصرعيها، ربما سيكبر الحلم بيننا ٠بل سيكون جسرنا نحو حياة زوجية مختلفة حتى نبني عشا كالعصافير ونشرع في تأسيس إمبراطورية العشق كما فعل اسلافنا روميو وجوليت او ولادة وابن زيدون ٠٠٠٠
وما ان انهت كلامها شرعت تجمع أغراضها حتى تغادر المكان ٠ طلب منها رمزي ايصالها الي بيتها اعتذرت له لأنها تملك سيارة ٠
وصلت إلى باب المقهى وجدت الجو مضطربا، فداعبت الريح شعرها المنساب على كتفيها وما ان همت بالخروج لوحت بيدها الي رمزي ٠
وجدت ستائر الظلام قد غطت المكان ٠سارت بخطوات بطيئة
وخشخشة أوراق الأشجار تحت قدميها تحدث موسيقى جعلت رمزي يحس بهمساتها و بقى يجادل نفسه
_اعتقد ان غادة هي المرأة الوحيدة التي ستكون لها القدرة لكي تنتشلني من وحدتي المقيتة وستكون سندي أثناء لحظات الضعف التي تنتابني من حين لآخر ٠
عرف رمزي انه لايميل كثيرا إلى الاختلاط بالناس ويعزف على مقابلة الغرباء ٠لانه يعتقد ان جل الناس انتهازيون ولا يهتمون الا بمصالحهم الخاصة ٠
كان رجلا هادئ الطبع لا يترك أثرا لدي المحيطين به ٠
فهو قد واجه أياما قاسية في بداية حياته وعاني الفقر والخصاصة ٠لقد ثشبث بالعلم ونال شهادته بعد معاناة طويلة
تعددت المواعيد والزيارات بين رمزي وغادة ٠اصبح وجوده في حياة غادة له أثر بالغ ٠بل أصبح لا يعود إلى بيته الا بعد زيارة والدتها ٠ليطمئن عليها لأنها تعاني من مرض مزمن وكانت غادة الوحيدة التي تهتم بشؤونها وتعتني بها ٠
بعد مد وجزر، اتفق رمزي و غادة على الزواج حتى يكملا مشوار السعادة تحت سقف واحد ٠كان حفل الزواج اسطوريا اقيم في أفضل الفنادق ٠
مرت فترة قصيرة، طفت على السطح حكايات خفية، تعمد كل منهما اخفاءها ٠وكانا يعتقدان ان رواسب الماضي لن تطال الحاضر ٠
اكتشف رمزي عدم اهتمام غادة بأحد غير نفسها ٠ظهرت عليها أنانية مفرطة ٠الا انه كان ميالا الي التسامح معها باستمرار
لانه عاش حرمانا عاطفيا فترة شبابه ٠
كانت غادة تلجأ الي سؤاله
_كم كسبت من البورصة
يصاب بالدهشة منها ويراوغ في الاجابة ٠
لكن غادة لديها اسلوبها الخاص في التعامل معه
تميل عليه في دلال حتى يداعب شعرها وجهه وتقتسم معه الأرباح ٠
مر علي تاريخ الزواج اكثر من شهر ٠بدا مركب السعادة الزوجية مبحرا بعيدا، يواجه العواصف والأمواج ٠
يلهث ويبحث عن شاطئ السلام ٠
لكن هيهات لقد تسربت المياه من كل صوب وحدب وتاه وسط الدروب المعتمة ٠يصارع الأمواج والرياح
التي حطمت كل شيء جميل داخلة ٠
مم اجبر الزوجان الي إنهاء الصراع بينهما داخل أسوار المحاكم ٠لكن غادة سعت الي بث اشياء غريبة مما ادخل الشك والريبة لدي رمزي فهي ادعت انها مازالت عذراء
وطلبت مالا لتعويض الضرر المعنوي ٠
في تلك اللحظة نهض رمزي من حلمه وقد أصابه الفزع وهرول يبحث عن خرفانه، التي انقض عليها ذئب وشردها
اسرع الخطى يتحسس طريقه، فقد عانق الضباب سواد الليل فلم يستطع مشاهدة نعاجه ٠جذب سمعه وقع حوافر أسفل الوادي، نادي بأعلى صوته ٠رد عليه والده وهو يمتطي حماره
_عد الي البيت لقد جمعت الخرفان ٠٠٠٠
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع