أقصوصة #. بائع المشموم
منير الجابري
ظهرت شعلة من الضوء. وسط السحب الملبدة بالغيوم ٠تبعها صوت الرعد ٠
غادر معتز ساحة السجن الي غرفته ٠ثم تمدد على فراشه واخذ يتطلع الي الجدران ٠
فجأة اقبل عليه احد أعوان السجن وزفه خبر خروجه في اليوم الموالي ٠
اصيب معتز بالذهول حين سمع هذا الخبر ٠فقد مرت خمس سنوات كاملة داخل السجن
ظلت عيناه مثبتتين على الجدران ٠وكان متشبثا ببرائته رغم مرور هاته السنوات الطويلة ٠
معتز شاب تجاوز عمره الثلاثين ٠وكان يشعر بوحدة قاتلة وهو خلف القضبان ٠
احيانا لايتمكن من النوم لكثرة هواجسه ٠فكل الأصدقاء والأقارب تخلوا عنه ٠كان كل يوم يمني نفسه ان يناديه السجان كي يعلمه بزيارة أحدهم اليه ٠لكنه لايسمع الاصدي أمانيه ٠حتي والدته لاتستطيع القدوم اليه لأنها أصيبت بمرض الزمها الفراش ٠تركه الجميع ٠
حتي صديقته التي قضى معها وقتا طويلا وهو يتغزل بها
هجرته دون رجعة ٠كان يعتقد بأنها ستكون سندا له وسط منعرجات الضعف التي المت به ٠الاانها انسحبت من حياته ٠
وظل وحيدا يصارع محنه ٠فهي لم تتحمل الانتظار ٠ذهبت تبحث عن مستقبلها مع شاب اخر ٠فمعتز أصبح من رواسب الماضي ٠حتي قلبها لم يعد يخفق له ٠
غادر معتز سجن مرناق يوم الجمعة في الرابع عشر من شهر جانفي ٠سنة إحدى عشر والفين ٠
علي الساعة التاسعة صباحا ٠امتطي الحافلة في اتجاه شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس ٠
وما ان وصل إلى الساعة ٠نزل من الحافلة ٠التفت الي ماضيه وشرع يجدف في بحر الذكريات ٠نظر بتلهف الي الأماكن التي بقيت عالقة بذهنه ٠جلس بجانب الساعة ٠حتي يستمتع بماضيه ٠فقد امتهن بيع المشموم منذ طفولته ٠كان يحب عمله كثيرا ٠فقد خبر كيفية التعامل مع الحرفاء لذلك كان ناجحا جدا ٠ كان يستقبلهم بابتسامة ولا يعود إلى المنزل الابعد منتصف الليل خاصة ايام الصيف الجميلة ٠
عاش معتز لحظات الماضي بما فيها من فرح وماسي تحمل في طياتها احيانا شيئا من النجاح وأحيانا أخرى مشاكل عويصة ٠ تقدم بعض الخطوات حينها هرولت اليه ذكرى أبت ان تمحي إعادته الي تلك اللحظات التي جمعته بصديقته٠كان المطر رذاذا ٠فتح معتز مطريته ليحمي بضاعته وبينما هو منهمك مع احد الزبائن ٠دخلت فتاة تحت المطرية واقتربت منه ثم شخصت ببصرها اليه بخجل ٠ابتسم في وجهها ٠
سالته _هل تسمح لي بالجلوس معك إلى ينتهي هذا الرذاذ؟
هز معتز راسه موافقا
_مرحبا بك
تكررت تلك اللقاءات الجميلة ٠تعلق معتز بالفتاةزكما بادلته نفس الشعور ٠خاصة لما باحت له بقصتها التي تفاعل معها معتز أخبرته
_لقد جئت منذ عشر سنوات بعد وفاة والدي ٠كنت حينئذ في عشر من عمري لما قدمت الي العاصمة واقمت عند خالتي
كانت امرأة لها شخصية قوية دائما تذكر ابي ما فعلته من أجله ٠ودوما تتهمه بانهه هو السبب في الحياة الظنكة التي كنا نعيشها ٠لان ابي كان يبحث عن الربح السريع والهروب من المسؤولية الي الحياة السهلة ٠
كنا نسكن بالقرب من الحدود مع الجزائر ٠كان يخرج ليلا ولا يعود الامع ساعات الفجر الأولى لا يخبرنا عن عمله ٠
تورط في تهريب المخدرات عبر الحدود وأصيب في حادث مرور حين كان الأمن يطارده في ليلة شتوية
يقود السيارة بدون أضواء ٠توفي أثر سقوطه في وادي
كما توفيت امي بعده لكثرة الأمراض التي تعاني منها لأنها لاتملك ثمن الدواء ٠
نظر معتز الي ساعته التي أشارت الي العاشرة صباحا
تقدم في اتجاه المسرح البلدي حتى يزور بعض الحرفاء
فجأة شاهد حشودا من الناس وسط الشارع قبالة البلريوم والمسرح البلدي مع تواجد كثيف لقوات الأمن ٠كان الحاضرون يتجادلون معهم ٠الاانها وقفت سدا منيعا أمامهم
دفع الفضول معتز الي التطلع نحو الحشود لكنه لم يفقه شيئا
إصابته الحيرة والدهشة حين نظر الي بعض الشعارات التي يرفعها هؤلاء الناس ٠كما شد انتباهه حضور وسائل الإعلام
المرئي والمسموع وخاصة الأجنبية منها ٠تساءل معتز عن سر هذا الحشود ٠
كثر الصياح والصراخ حين اتجه المتظاهرين نحو وزارة الداخلية ٠لكن بعضهم فر الي الانهج الفرعية وبقيت قوات الأمن مرابطة حول الوزارة ٠
تقدم معتز ثم تراجع الي الوراء وغادر المكان ٠تسرب من نهج القاهرة كي يعود إلى المنزل لان امه في انتظاره ٠
فاكتشف غلق كل المحلات التي كانت تعح بالحركة ٠
قفزت الي ذهنه تلك الحادثة التي دارت أحداثها في هذا النهج
وهي كانت السبب في دخوله الي السجن ٠
في إحدى ليالي الصيف الجميلة كان كعادته يحمل بضاعته في صندوق صغير ٠طلب منه احدهم مشموما ٠ترك صندوقه خارج المحل ٠ حينها كان الأمن يحاصر مجموعة من الشباب من أجل المخدرات ٠القوها داخل الصندوق فروا ٠ دفع معتز الثمن غاليا ٠وقع في الفخ ...
* منير الجابري / اديب تونسي
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع