الموجات السبع
دخل صباحاً إلى مكتبه الجديد، كان حزيناً جداً لأنه أحس بأنه تعرض لأكبر عملية نصب في مدينته. ظل يفكر في مصير مساره المهني وكيف أقبر حلم والدته التي كانت توصيه بأن يراقب الموجات السبع من نافذة مقر عمله المحادي للمحيط الأطلسي. هي الوحيدة في القرية التي كانت تؤمن بقدرة موجات البحر السبع في حماية وحيدها من العين الشريرة.
قبل وفاتها بأيام كانت تغزل كفنها بيدها وتنظر إلى شمس القرية وهي تغرب في الأفق البعيد، ابتسمت قبل أن ترمي بأخر سن سقطت من فمها المنكوب، ورددت معها اللازمة التي دأب سكان القرى على ترديدها: خذي سن الحمار، وإمنحني سن الغزال... قبل أن تستدرك كلامها بنظرة حزينة إلى الشمس، التي بالكاد تختفي في الأفق. ووقفت العجوز وكأنها تحاول منع عناق الشمس للأرض ، وقالت: عفواً أيتها الشمس الحنون لا تمنحني سن الغزال، لكن في المقابل إحمي وحيدي من عين الحساد. اختفت الشمس غير آبهة لكلامها، وعادت العجوز إلى ركنها المنزوي تحت شجرة أركان معمرة، وانهمكت في حياكة كفنها الأبيض.
وقف ثابت مستغربا من القماش الأبيض في يد أمه، تذكر أن أمه دأبت على حياكة الطاقية البربرية، ولم يعهد بها تحيك كفناً. تململ في مكانه محدثاً ضجة غير عادية أثارت إنتباه العجوز. ابتسمت لوحيدها ثم وقفت تحاول أن تعانقه، سارع ثابت إلى ضم أمه وحملها إلى سريرها الخشبي، ومددها عليه. لم تترك له فرصة الحديث وسارعت الموت إلى تذكيره بوصيتها . ثابت لا تنسى الموجات السبع ... ثابت لا تنسى الموجات السبع...
كان ثابت حائر بين البقاء إلى جانب السرير أو الخروج للإتصال بسيارة الإسعاف... همد جسد العجوز وعم صمت القبور المكان... دثرها بالقماش الأبيض ونادى في الجيران بأن الأم الحنون قد ماتت ، وأن وصيتها الموجات السبع ...
في مساء اليوم نفسه كان ثابت يحيك كفنه الأزرق في مكتبه وعيون زملائه تتلصص عليه مستغربة لعمله، ساعات بعدها تلحف كفنه الأزرق واختفى في الموجات السبع تاركاً رسالة قصيرة... لا تنسوا القط الأسود ذو العين الوحيدة.
عزالدين الزريويل
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع