مناضل خارج القائمة
بقلم نصر العماري
وقال الراوي:
ابي المناضل الكبير، الذي رفض رفضا باتا ان يسجّل اسمه على قائمة المناضلين. ورفض أن ينال ثمن نضاله البطولي. ورفض أن يفتخر أو يتبجّح بذلك ... رغم الحاح العديد من المقربين منه ، وأولهم أمي التي كانت كثيرا ما تدفعه أن يصرّح بالحقيقة، وكثيرا ما كانت تقول:" انتم ما تعرفوش خصايلو، عمر الازرق" كانت امي تقول ذلك بنبرة صادقة وبفخر، ورغم ان ابي "سمح" البشرة لكنّها تقول عنه "الازرق" كانت تريده ان يأخذ برأيها و أن يصرخ عاليا في وجه الجميع ويكشف أوراقه ويقول انه مناضل .
لكن أبي بسماحته يبتسم ابتسامته الحلوة ويردّد " أذاكه واجبي ...ماعنديش مزيّة "
وشيئا فشيئا ، اكتشفت الحقيقة . وعرفت أنه كابد وجاهد وقاوم كل الصّعاب وحده.
فالي جانب قله ذات اليد وغلاء المعيشة وكثرة عددنا وكثرة طلباتنا ، تحمل مسؤولية تحقيق الاستقلال ...
ورغم صلف المسؤولين، وكذبهم ، وسماسرة النظام، والقوادة ورغم جشع المستكرشين واللصوص، قاوم أبي وحده ليحقق الاستقلال لنا جميعا ولم يتنازل أو يساوم ولم يفرط لا في كرامته ولا في كرامتنا و انغمس في العمل ليلا نهارا بكل جد وتفان دون أن يثنيه ذلك او يشغله عن الاهتمام بنا وحمايتنا... كان قويا صامتا ... حقق لنا ما كنا نحلم به ... وها نحن نعيش احرارا رؤوسنا مرفوعة شامخة لا نخشى في الحق لومه لائم ... وبعد رحيل ابي صانع استقلالنا...
طلبت مني امي قائلة : يا ولدي ... سمعتهم يتحدثون عن مناضلين لا أعرفهم ... لما لم تكتب عن أبيك لقد كان مناضلا حقيقيا ؟...قلت يا أمي حفظك الله ، ان أبي كان أبا مثاليا عندنا وهو كذلك فعلا. لكنه قد لا يكون عند الآخرين .
استغفرت أمي و حوقلت واستعاذت بالله من أن أكون عاقا. ودعت لي بصلاح الرأي وقالت في حنان: يابني إن أباك لم يكن كبيرا في عيوننا فقط ، بل كان كذلك عند أهله وأقاربه وعند الاجوار وسكان الحي، لقد كان يحب النّاس، والناس يحبونه . سلهم ان أردت، فكيف لا يذكرونه في المناضلين واليوم يوم الاستقلال؟
غلبتني الابتسامة وقلت : يا أمي انهم يتحدثون عن مناضلي الوطن
فقاطعتني : والدك كان وطنيا حتى النّخاع ... لقد كان يحفظ حماة الحمى عن ظهر قلب وقد وشّم في زنده نجما وهلالا ... لقد تبرع اكثر من مرّة بدمه في حملات جمع الدم ... لقد تطوع بأكثر من يوم لحفر اسس المدرسة التي درست فيها والمستوصف والجامع ، وغير ذلك كثير ...
قلت يا أمي كلامك صواب وأبي رجل وطني من غير شك. لكني اقصد ان المناضلين هم الذين ينتمون الى أهل السياسة ...
قالت: أحسنت ، ووالدك كان رجلا كيّيسا لبقا حاجا ، لا تفوته ركعة ... لم ارى منه ما يغضبني يوما لقد كان رجلا " رحم الله ولد الناس "....
قاطعتها قائلا يا امي افهميني ، المناضلون هم كبار ...
قاطعتني مؤكدة : ووالدك كان كبيرا
قلت : يا امي بالله عليك افهميني اقصد كبار الناس كالرؤساء والوزراء و الوكلاء والمكلفين والمديرين والمسؤولين الكبار... الكبار الذين يسيّرون شؤون البلاد والعباد ...
"دوّحت" أمي رأسها ورددت:
اسكت اسكت، والدك لم يكن منافقا يوما ولا لصا لقد كان مواطنا بسيطا ناضل من أجل ان ينتشلنا من الفقر وغادرت وهي تتمتم . .. نصر العماري
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع