الـكـاتـبـة: نـهـيـلة حـنان
وشـاح الـحـنين و سرايـا الـشـوق
تـرى كـيـف طـاوعـتـه أشـواقـه عـلـى أن يتـركـني أحتـسـي مـدامـع صـبـابـتـي من ضـيم الأشـواق، كـيـف لـه أن يـتـركنـي أتـوارى بعـيـون دافـقـات فـي مـتاهـات الدروب العـطـشى، اهـانت عـليه دروب الـوصال و فـاضت روافـده لصـقـيع الـهجران أم أنها حـقـبـة خـريف عـمري تناثرت أوراقهـا و جرفـتـها مـدامـعي إلـى وديـان النـكران، إني لـم أعد أسـمع صـديح دقـات قـلبـه التـي كانت تعـلو صخـباً لتـروي مـخافة الفـقدان، ألا يـكفيه منـي أنـي أغـفـو و صدى أنـينـي يملأ الـمـكان و أنـا التـي أوصـدت بـاب ذكـراه قـبـل المـنـام، ألا يـكـفـيه منـي جـسـدي الـهـش الـذي يـحرقه الـحنـين ويطعنـه الأنـيـن بخـنجر الـشوق
حـتى الفـراغ الذي أعـيـشه يعـج بطيفـه، طيـفـه الـذي لا يـعرف السكون يسافر ما بين نـبضات القلب ومدامع العـيون، كل شـيء يـتـوارى فـي مخـيلتـي عدى صوتـه الذي أصـبحت فقـط أتـحسـسه فقـد تـآكل فـي ظـل الـنـسـيان، فـي غـيابـه أصـبح الـزمـن مـتـقاطـعاً و كأنـي أمـشي ولا أصـل و كأني أركـض و أنا واقـفـة و كأني أخـاف من نـفـسي عـلى نفـسي و كـأنـي قـد مـت و أنا عـلى قيد الـحـياة
عـلـني يـومـاً أسـتـظل بـنـفسي فـي غـير حاجـة لظله و أرمـم الـخراب الذي أحـدثـه رحـيـله، ذلك الخـراب لم يـكن حزنـاً بقـدر مـا كـان انـطفاء للـروح و زحـف فـي ظـلمات اللـيالي الحـالكـات بحـثاً عن بـريـق يـنير عـتـمة روحـي و يعيد استقامـتها، إلى متـى ستطاردني تـلك القـصور من الأحـلام التـي بـنيتها أنت وجـاء مـيالها عـلـى رأسـي أنـا، تـجـعلني كـل هذه القيـود مـكبلة امـا تقلبات قـلبـي داخـل صدري تسائلني عنـه كـل حين لتنشب فـي ضلوعـي حـرباً هـالكـة، تطاردني من كـل جـانـب لتعيدنـي دهراً إلـى الوراء الذي أكـابر العـودة إلـيه
كـان فـراقه نـزيـف قـاتـلا يـصعـب إيـقافـه، أدمـى بإبتسامتي ليتسيد الـحزن مـلامـحي البـائسـة و يصـبح كـل شيء ومـيضاً أمـامـي، كافحت بـكـل ما أوتـيت من حـب كـضوء شـمـعة تحـتضر بصدى أنينها المتـموج داخـل أحـضان قـلبي، ادعـي النـسـيان كـلـما إعـترانـي الـشوق و رمـانـي بمنـفـى الأحـلام الغافية فـي دروب زمن لا أذكر مـنـه غـير الزوايـا الـتي احـتضـنتني في خـلوتي و كـانت رفـيقة للروح قبل الـجـسد
أرتـشف مـرارة أيـامي بشـيء مـن "اللامبالاة" كـلمـا حلت سـويـعات الـحنين إلـيه لكـي اعـيـد الـذاكرة لـمنفى الغـياب، صـحـيح أنه جزء مـن التـفاصـيل الـجمـيـلة التـي أسـعدتنـي ذات يوم فقد كان أكـبر إنتصاراتي وأعظمها فلا شـيء يشبه طعـم وجوده، أما فـي زوايا ذاكرة الـيـوم فهو يـعد أكـبر هزيمة فـي ربـيع عـمري فلحد الأن مازلت اخـفـي لهفـة ملامحي وحزنـي عندما تحضر حروف إسـمـه امـامي، لـم يـقتلني الفراق لكـنه الـحـنين إلـيه يتـسلق أطـراف كـبدي ويتـمرد عـلى ضلوعـي، فـي وجوده كنـت أصـغر مـن عـمري بنـصف الـعمر و فـي غـيابه صرت أكـبر مـن عمري بأضعاف الـعمر، بـين يـديه كـنت طفـلة تـهرب منـه وتلجأ إلـيه اما الأن تلك الطفلة ضاعت فـي متاهات هـذه الحـياة و أصـبحـت تـحمـل ما لا يتسع له صدرها الصغير معبأة بما لا يقوى عليه كيانها، أصبـحت مجرد رمـاد مثناثر تـحـمله الرياح كلما هبت
انـكـم لا تـدرون حـقاً ماذا يـعني أن تستفيق الـذاكـرة عـلى أعـتاب الـماضي وتوقد غبار الذكريـات المتراكم في الأرجاء، انـكم لا تدرون حقـا ما معنى أن يغتال عيناك الظلام وتـسلب منك الـحياة النـور وتتلاشى ضحكاتك وبرائتك معاً، لـم أعد ادري مـن أنـا و مـن أكـون أمـام كل هذه الآهـات والشـوائب... إني أقف هنا في المنتصف بـين الـوجود واللاوجود، فـي كل مرة تبوء محـاولات نسـيانه بالهزيمة النكراء لكننا على أعتاب البيت القائل
"يا من على الحب ينسانا ونذكره
لسوف تذكرنا يوماً وننساك "
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع