سأعيشلست أستجدي شفقتكم ولكنّ البرد فعلا أخذ من جسدي الصّغير مأخذا. ولست ممثّلا أثناء أداء دور دراميّ لأتقاضى عليه أجرا قد يكفيني أكلا ولباسا كامل فصل الشّتاء، ولكنّ والديّ فقيرين أربكت الحياة ومجرياتها توازنهما فلم يقدرا على مواصلة مواجهة مصاعبها ولم يتمكّنا من حمايتي فقد رحلا ولا أعرف حتّى قبريهما لأحتمي في حضن أحديهما. هذا أنا ابن السّادسة في العراء وأمثالي في بلدي العربي كثر ولم نجد ملجأ. أعرف أنّ البلد فيه من الخيرات ما يكفي لكفالتي وكفالة كلّ من هم في مثل حالتي ولكن حرمنا منه لبنعم به غيرنا. أعرف أنّ الّذين انتصبوا على رأس أقطارنا المشتّتة اهتمّوا لحالهم وحال ذويهم ومن تملّقوا وذلّوا لهم وتركونا وأجسادنا الصّغيرة لنواجه كلّ الصّعاب لوحدنا. وأعرف انّ من كان سببا في رحيل أبويّ وتشريدي يصول ويجول في بلدي كصاحب ملك ويلقى التّرحيب والحضوة في حين قد ترأف بي الطّبيعة الصّماء، فيكون الثّلج فوق جسدي دفء وتكون الشّمس الحارقة بردا وسلاما عليّ ولن أجد في من انتصب على البلد بذرة حنان ولا رأفة. سأعيش.. سأصمد.. سأظلّ ناقوسا يرنّ في آذان كلّ من تجاهلني وأدار ظهره للبلد وأهله لأنّ مصلحته من مصلحة أسياده الّذين صمّوا وعموا فهجّرونا ودمّروا الحيطان الّتي نأوي إليها. سأعيش رغم كلّ مكائدهم وسيذكرني التّاريخ وسيذكر من كان سببا في حالتي وحالة بلدي ثمّ سنقف حفاة عراة أمام الموت يوما ما وسنرى من سيرحّب به قبره ومن سلتفظه حتّى خرقة القماش الّتي المفروض أنّها ستلفّ جثّته لتستره، يومها سأكون عريسا يزفّ وسيكونون جثثا هامدة ينفر من رائحتها حتّى ذوي القربى لأنّهم لا يريدون أن يتأذّوا. ستصل صورتي هذه وصور أمثالي وستضعونها في ملفّ يدرج في مخازنكم وأرشيفكم وأعرف انّكم ستعلّقون عليها بجملكم الّتي بتنا نعرف بدايتها ونهايتها لتشتروا بها ثمنا بخسا ولكن انتظروا سوف تدور عليكم الدّائرة وستدوّن أسماؤكم أنتم أيضا في دفاتر، لكنّ دفاترنا في سجلاّت ذهبيّة ودفاتركم في سجلاّت نتبرّأ منها.
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع