قراءة نقدية في أعمال الفنان التشكيلي إياد الموسوي
دنيا علي الحسني / العراق
الطبيعة الوجودية في فضاء انوار الروح المتأملة
تفيض الأفكار والرؤى من أعمال الفنان العراقي المغترب "إياد الموسوي" معاني حميمية وذات فلسفة مكانية وزمانية لإبراز المعاني والمفردات البصرية وعلاقتها بتفاصيل اللوحة وقدرتها في تحقيق التفاعلات اللونية المترابطة زمنياً مع الحركة والخطوط ، في هذه المجموعة من الاعمال هناك التناص مع رباعيات جلال الدين الرومي شيخ المتصوفين ، وتشكلت رؤية الفنان التي تعكس معالم التراث الشرقي مستوحاة من عناصر الطبيعة والعمارة الإسلامية وكثيراً ما تستند رسالته الإنسانية إلى حنينه للوطن والموروث الرافديني بتحديث سياقات الإبداع والتناغم بين المفردات البصرية وأنماط ثقافات العالم االمتنوعة .
"التعبير الإنساني"
يستخرج الفنان "إياد الموسوي" مكنوناته الطفولية بتلقائية طفولية لتعبر عن المشتركات الإنسانية ، و تعبير إنساني خاص به حيث يتفرد الفنان اياد بطرح رؤى وأفكارا من العوالم الروحية والوجودية، فنجده كثيراً ما يتناول من خلال رسوماته أكثر الحالات المرتبطة بتجربته الشخصية أو موقف إنساني أو عاطفي عاشه في الطفولة المليئة بالتأمل في الجمال والفن والألوان ويشف عمله الفني عن البراءة وتلقائية الطاقات الداخلية من تراثه الشخصي . والروحانية التي يبحث من خلالها عن المعاني الإنسانية ومتغيراتها التجريبية والتصورية .
يتمتع الفنان اياد بحرفية عالية معبراً عن جذوة حبه لجماليات العمارة الإسلامية في معالجات وجدانية إجتماعية إنسانية عامة تخص البشر جميعا .
وتشير اسماء اعمالة الحافلة بالجمال والتأمل مثل:
قلعة السماء،
لقاء العشاق،
الأسرة السعيدة
،الأسوار العالية،
قمر الشوق،
مدينة الفرح،
الحي البهيج،
تلال القمر،
ربيع الحقول،
بيت الأمومة،
حقول الحصاد،
وهكذا قد تشكلت التجربة بشكل مجسمات ثلاثية الأبعاد خلال السنوات الأخيرة من مسيرته الفنية في التجريب واستحداث أساليب وأدوات جديدة لتوظيفها للعمل التشكيلي التي تتجلى فيها براعته الفنية.
"الغربة والإبداع"
الفنان إياد الموسوي المغترب عن بلاده الموجوعة وكأنه من نوارس الأرض المسافرة في كل مكان ليكون من طليعة الفنانين التشكيليين العراقيين المغتربين، الذين تناولوا في تجاربهم التصويرية ورسوماتهم نبض روح ذلك الوطن، وشكل الإيمان بالإنسان الذي يحيا في تجليات عشقه تعلقه، وهو الذي سكن مختلف الصياغات بروح الحالم المبدع يستلهم أشعاراً صوفية من جلال الدين الرومي وغيره، ومن عمق هذه المنحى والرؤى نقل الموسوي مشاهداته الجميلة عن بغداد والتي قال عنها( وتبقى بغداد احلامها جميلة عند الفجر) حيث انتهج المعالجة التشكيلية بتلقائية الطفولة وأستقى ألوان الطبيعة بتنوعها وتناقضها، التي تزينت بها أعماله الفنية غير المسبوقة ، والتي تتيح للعين التمتع بالسحر الدفين الذي يعكس الجمال المتوالد لحظيا وهو يتغنى بالتفاؤل والحيوية ، يقول الموسوي:( لازمتني بغداد في سنين الغربة والاغتراب في شمال أمريكا حلماً جميلاً أستوحي منه الأمل والتفاؤل والطاقة الايجابية)، فهو ينقل تجربته الإبداعية ويجسد فيها ألوان وأمل بغداد في لوحات تتوشح الجمال والإبداع والسلام .
"عمق الدلالة"
استخدم الموسوي دلالية اللون لتوافق رؤيته في في التعبير الرمزي على المضمون، إلى جانب الروحانية اللونية ، واستخدم الألوان الحارة والباردة، وكان لكل تشكيل اتزان مدروس من التكنيك الإشارات للطبيعة الخلابة والأفق الساكن البعيد يقدمها الفنان في معظم أعماله وتدفق روحية التجريد لعمق الدلالة اللونية، وأجرى ذلك الحوار بحرفية جمالية مع فن العمارة الشرقي المتوارث وعمق تاريخه النابع من بلاد الرافدين مهد الحضارات، والفنان الموسوي: هو الباحث عن جماليات اللون في حرارة الروح وتلك اللوحات الغنائية التصورية الشاعرية بتفرد وتميز الفنان الحالم ليقول أن ضوء الألوان هو نبض المدينة المطلة على حكايات وتراث التاريخ الانساني المشرق الذي حمله بشغف وشجن وقوافي وأبيات شعرية وإنغام موسيقية جمع كل التفاصيل الحميمة في تلك المرسوم والاعمال الفنية المتميزة والفريدة بجمال عوالم اياد الموسوي.
"حلم الطفولة"
نجد في لوحات أحلام الطفولة السفر إلى عالم البراءة والطفولة والسرد التلقائي لجذوة الحكايا وتراثه الشخصي، في تحوير بصري ليرسم مدينة طفولته الجميلة بغداد في محل إقامته الجديدة، تنأى بتجليات عشق الروح والشوق التي شاطرها عمر الطفولة قبل موسم الهجرات إلى كل الأصقاع لتفتح بصيرة القلب والعين لترسل رسائل الروح ، ومشاعر نور الحب والحضور حيث يكون الانسان في حالة التأمل يفوق الحواس الخمس والمسافات والماديات، ليعبر ويجسد انسانية عميقة وهي من أسمى الرسائل التي تلامس الإنسان.
يستخرج الفنان الموسوي مكنوناته الطفولية بخطوط عاطفية يبحث من خلالها المعاني الإنسانية بين الخطوط الهندسية ومتغيراتها التعبيرية بجمالية الألوان وشفافيتها المفتوحة على عدة أفاق بحرص تشكيلي تفاعلي، في انطلاقة الخطوط تعيد حسابات الزمن وفق الأمكنة التي غادرها أو تلك التي فارقها الجسد وتبقى في نظام معقد برغم تناقضات الحياة اليومية والحلم الطفولي الذي نفتقده في الحياة لاحداث وجزيئات تثير الذهن وتعصف بالحس والعواطف، الذي يترجمه في لوحات جمالية يجعل منها فكرة وجدانية وشعورية متألقة، ينطلق منها نحو فكرة تستلهم التراث وتقدم الحديث من ، مبشرا بالأمل والتفاؤل والإيجابية في الحياة ليترجمها الى ألفة تشكيلية.
" تنمية الخيال"
يعالج الفنان الموسوي مساحات اللوحة والخطوط بأسلوب ذي شغف تشكيلي لتنمية الخيال ، المؤدية إلى ترسيخ نسيج اللوحة في عوالم الخيال والتصورات الهادفة لاعتماد قوة الملاحظة لمعالجة الخطوط وابراز متغيراتها والمعطيات والاشارات المتعلقة بأسلوبه في المنحنيات وتعاطفها بانسيابية متناهية كامرأه فائقة الجمال، رغم ارتكازها على الإتجاهات الإنسانية بتجسيد وحرفية باختراق المألوف وبناء أشكال جديدة واجواء عصرية مستخدما الخطوط الحادة احيانا ، كسرعة الضوء التي يتركها مع الألوان والتدرجات في النسب المختلفة لكل لون، وقدرته على تحقيق التمازج والتناقض البصري بما تحملة من الهواجس ويبث فينا الأمان عبر الانتقال الى رونق بصري يحقق الإشباع العاطفي والتفائلي بالحياة بكافة تطلعاتها الإنسانية.
"التعبير عن أفكار مختلفة"
هناك تقارب فني تشكيلي تميز بالتعبير عن أفكار مختلفة تنسجم مع بعضها مستخدماً المعالجات المتفاوتة بين عدة نقاط ليتحدى بصرياً الأبعاد وقدرتها على خلق الخيال المؤسس لحقائق نراها حسياً بشكل ملموس للتعبير عن جمال الطبيعة، ان جميع الاعمال تقدم في تشكيلاتها المنحنية المثيرة للحس برقته ووجوده وعاطفته واطمئنانه ليزيل السلبيات عبر الفن والمزيج المدروس جيداً ليعطي شعوراً بقوة الإنسان وجديته في خلق وبناء الحياة وتحقيق الشعور بالراحة والتجدد بعد كل مرحلة والعودة الى مركز الدائرة والقوة الطبيعة والإبداع والخيال الملهم واللانهاية في العطاء كما عطاء الطبيعة الذي لا يعرف الحدود او النهايات، يقدم الموسوي مفهومة الجديد للألوان البانورامية في الشكل الهندسي المعتمد على ابراز الاتجاهات ووضعها ضمن تشكيلات جدلية تجسد بناء اللوحة ويسقط ذلك على السلوك البشري لبث الاحساس بالاستقرار والهدوء والسلام وقد استلهم عناصر العمارة والاشارات المعمارية الجمالية ليعطي صورا مستقبلية عن فن العمارة المتخيل فيما بعد.
"حين نستمع إلى إيقاع اللوحة "
هل سبق لك أن شاهدت لوحة فنية فترجمها عقلك الباطن إلى موسيقى؟ لقد وجدت في لوحات الفنان الحالم اياد الموسوي الذي يجيد ترجمة الموسيقى لغة المشاعر الانسانية الى لوحات تشكيلية، فهذا الأمر ليس غريباً فالفنون تتلاقى ويترجم الشعور بها بأكثر من طريقة ويستطيع أن يترجمها العقل الباطن إلى كلمات وقصائد ولوحات جميلة، وكان في لوحة عنوانها (بيت جدي) يعبر فيها عن ايام الطفولة، والمعنى بما يثيره من إحساسات ممتعة وإيحاءات تمزج بين ذكريات الزمن الجميل والأنغام الموسيقية حين يسمعها المتلقي كصوت رقرقة ماء النهر الذي تسلل بهدوء ليحيل حديقته إلى حديقة مائية تطفو فيها الأشجار والورود والرياحين، وهكذا نجد الفنان مستسلماً لإنسانيته الرقيقة في إيقاع بصري جمالي يحاكي الثقافة ويؤلف نسيجا نغميا من إيقاعات وانسجام التشكيل واللون والفكر بلوحات صممها على إيقاع الألحان الصوفية الدافئة والحيوية فيها براءة الطفولة والعشق والجمال والسلام، وعبير البيوت وعبق حديقة الورود والأزهار والاشجار المثمرة وضياء القمر في المساءات و نور الشمس في الصباحات تتجلى في عزلة الإنسان في المكان رغم ألم الغربة والحنين للوطن في داخلة يفيض بالأضواء والألوان التي ترفل بجمال الإبداع في أي مكان وزمان وهواها المعتق في واحة الموسيقى لتكون ألحاناً يشدو بها مع عمالقة فن العمارة الشرقي على عزف الإيقاع الموسيقى الصوفي .
"معاني القصيد في اللوحة"
نستكشف حين نقرأ المداخل الدلالية لتفسير اللوحات الفنية ، قصائدا صوفية مسلطنة ، انها أبواب التأمل والإلهام الروحي لقصائد صوفية مسلطنة خلفها أمير عاشق فراحت ترفل فرشاته لتكتب ايقونة جديدة عن حب الوطن في رسوم أجاد فيها صف أحجار الجمال فتألقت لوحاته في سماء الإبداع كمزار روحي ، ترى أي المفاتيح سنختار لفتح أبواب العوالم التي يمر بها الإنسان ، وبأي أبيات القصيد يعبر الفنان أسطر كسحابة مطر معطاءة امطرت فأخضرت براعم الجمال، في كل لمسة نفحات النسيم وأريج الأزهار، انه فنان عراقي أصيل كالنخلة الشامخة تعطي بلا حدود معنى الإلهام الحقيقي للأبصار والأفكار، نقرأ الشعر في جوهر فنه الرائع ، يفصح عن عمق التشكيل والألوان الذي يعتمل بمكنون القصيد ليجسد الأبعاد الجمالية لفنون العمارة المعاصرة ، وهي بمثابة نص بصري- مرئي في التشكيل، يرسم بذائقة شعرية فارهة ويشيد عبر الأجيال قلاعاً ومتاحف للفن المعاصر بفصل جديد قد أنتج الكثير من لوحاته الحالمة إضافة الى القصائد الموحية لمداخل اللوحات الفنية وهذه الوحدة بين الشعر والرسم في تجربته الطويلة جاءت متطابقة مع بعض مفاهيم الحداثة في التجربة الإبداعية العربية المعاصرة، فهناك محاولة دائمة لجعل صدق التعبير والتكنيك متوازناً إذ إن كليهما يندمجان بخلق المشهد الفني بعناصره الكونية والذاتية على حد سواء .
يقول الموسوي في مداخل أعماله الفنية.
{ تدور بحولي صلاة في الهواء الطلق،، لم يكن يدرك إلى أين تأخذه بيوت القرية الدافئة،، وحنين اللقاء،، حلم وطيف خيال}
{ يتجول ينشد الأسوار العالية،، يبحث في قلاعها والسماء الزرقاء،، نهاره السعيد}
{ أمام بيوت الحي،، تركض الأزقة ،، بين الجبال الملونة بثمار الأمل أمام بيوت الحي،، مفعمة بالأخبار السارة}
{ القمر لهذه الليلة وكل ليلة مقمرة، فهو صديقي،، أبحث عنه كل مساء ويبحث عني منذ سنين وسنين،، وفي كل يوم ،،وكل مساء،، انه مساء قمر بغدادي}.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع