إلى الذّروة ......
منذُ أوّل صرخة وأنا بالسّليقة أمسكُ بتلابيب المدى ، أرضعُ من ثدي الأشواق ، أعتلي صهوتها وأحلمُ . شوقي المغروس في عمق النّوايا ينهبُ المساحات أيّاما، يلغي من قاموسه تقويم السّاعات وفواصل الأوقات. يمرحُ في خبايا المسيرة، في عمق الزّمان كما في أطراف المكان لا يحدّه حدّ ولا توقفه عقبات، يُغازل الكائنات حيثما التقاها فتفتح في وجهه عراها وتبتهجُ، أمّا النّجم المتّكئ على حجر المجرّة فيُغريه، يُناديه، يفتحُ له منافذ الوصول أبوابا خفيّة ، ممرّات كعين الإبرة منها ينزلقُ الضّوء الذّاهبُ خلف الأبعاد، حلم يتكوّر كقطرة ندى ، كندفة ثلج تسقطُ في فنجان صباح يرتشفُ أهزوجة عجيبة، يسكرُ من اعتدال غريب ، حرارة مشوبة بالبرودة أو برودة تدبّ في مفاصلها الحياة والمشهد في العين مُبهر يسحرُ الذّات، ساعة تجلّ تروم فيها النّفسُ أن تكون كفوارس الأساطير، أو هبّة صَبًا أفلتت من الدّائرة المغلقة وقد أثملها عبير أزليّ ، رحيق مشهد ممّا " لا عين رأت ولا أذن سمعت"وجناح الشّوق بها يرفّ، يرسو أو يطير.
كذا كانت الأحلام منذ الصّرخة الأولى، أحاسيس زُرعتْ في النّفس، تَرعرعتْ مع السّنوات والطّفلة تمرحُ في عمق الحنايا، عنيدة كالرّيح لا توقفها الجبال، لا تُرهبها المغاور ولا الخفافيش المقلوبة. أعجوبة هذه الطّفلة كلّما قلتُ كبرتْ رمتْ لعبتها في وجهي وراوغت الأخاديد المتناثرة هنا وهناك، أمسكتْ مشطها العجيب لتجدّل ضفائر كعناقيد الضّوء، لمعان يُغشي العين المرهقة لكنّه يتغلغل في عمق الشّبكيّة، يرسم ما شاء من الصّور، ما رنّ من صوت المزامير أو هطل المطر فيهتزّ الذّهن وتستفيق الحواسّ غضّة كأن لمْ يحاصرها كدر.هناك تمسك بي، بتلابيب المدى لتعتلي قوس قزح، تعيدني إلى درب كدتُ أنساه، درب الشّوق إلى ما وراء الحدود، إليّ من جديد أسترجع صوتي، ركضي،راحلتي، صهوة أنا عليها الفارسة، أمسك بالزّمام، أحسن كبح الجماح أو أصفّق كالحمام، إلى الأعلى، إلى الذّروة، وهي مرشدتي تشدّ أزري بغمزة أو لمسة أو بسحر كلام.
تو نس ......5 1/ 1 / 2021
بقلمي ....جميلة بلطي عطوي
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع