المولود
راقبنا صراعا دام يوما بين الشّمس والضّباب. كان صراعا انسحبت نتائجه على سلوك وتفاعل النّاس فكانت مواقفهم مختلفة ومتضاربة خاصّة على المستوى النّفسيّ. فاتّخذ النّاس مواقف متباينة واصطفّ كلّ وراء غايته وماربه. الشّمس كانت بمثابة الأمل والفرح إذ بعض النّاس استبشروا بها ونزعوا قبّاعاتهم الّتي كانت تحمي رؤوسهم من الضّباب، وأخرجوا أيديهم من جيوبهم وأمدّوها للتّحيّة وبداية العمل أو قل شرعوا فعلا في العمل الجادّ. وقد استفادوا من سيطرة الشّمس على محيطهم فغنموا ما استطاعوا والبشائر تعلو جباههم. لكن، عندما حلّ الضّباب وبسط نفوذه تراجعت أيدي هؤلاء إلى جيوبهم ولبسوا قبّاعاتهم واستكانوا إمّا إلى مدفأة أو غطاء يحمي أجسادهم من البرد وبذلك تراجعت الحيويّة والحياة بصفة عامّة فحلّ الخمول.. واستفحلت الرّتابة.. وخنع الكون وانكمشت السّواعد.. واقفرت المدينة فانطفات شموع الحياة فيها وسمحت للقنوط أنّ يدبّ في ثناياها. لكنّ الشّقّ الآخر بمجرّد نزول الضّباب وهيمنته على المكان خرجوا مستبشرين مهلّلين فالزّمن زمانهم وفرص عملهم واقتتاهم هو بغياب الشّمس واشتداد الضّباب فالشّمس تثنيهم عن العمل وتجعلهم متقاعسين مشمئزّين من حالة المدينة وهي متحرّكة بدونهم.
بدا الامر محزنا وهو كذلك إذا ما سلّمنا أنّ الشّمس أمل والضّباب يأس بالنّسبة لبعض النّاس والكائنات وهو العكس بالنّسبة لآخرين. لكنّ الأمر ليس كذلك فلم يكن هناك صراع بل ذلك ما تبادر إلى أذهاننا. ما عشناه كانت حالة تزاوج في الطّبيعة لم ننتبه نحن لحيثيّاته. ما رأيناه ولم نفهمه كانت مراودة بين الشّمس والضّباب وتمّ القران وحضرناه لكنّنا لم نتفطّن أنّنا شهدنا عليه وكان جزء منّا من طرف الشّمس العروس والجزء الآخر من طرف الضّباب العريس. تمّ التّزاوج وأفضى إلى مولود جميل يحمل معه كلّ الخير وكلّ البشائر. المولود جلب له كلّ الانظار وجمع طرفي النّقيض فتصافحا وهنّآ بعضيهما بهذه المصاهرة الجميلة والّتي ستمسح آثار الصّراع وتعيد المياه إلى موائدها لتمتلئ العيون بالبشائر وتزدحم أزقّة الارض بالخير الوافر وبذلك تمّحي المسحة السّوداويّة من وجوه الكائنات فتبيضّ وتنتشي . نعم الثّلج الابيض النّاصع .هو المولود الّذي أفرح النّاس وجمعهم بل ودفعهم دفعا إلى التّقارب ونسيان ما كان بينهم من تناحر..
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع