"كلام اللّيل مدهون بالزّبدة"
هو مثل شعبيّ في تونس والعبرة منه هو أنّ هناك كلام قد يعجبك وربّما يقنعك لكن سرعان ما تكتشف أنّه مجرّد كلام زيّن وزخرف فإذا ما أنزلته للواقع فلن تجد له أثرا من الصّحة ولا من الفعل كما هو حال الزّبدة عندما تعرضها للشّمس او الحرارة بصفة عامّة فهي تذوب. هو مثل يعترضك يوميّا في أفعال وأقوال من أرادوا لهذا البلد وأيّ بلد أن يندثر . أرادوا للأشقّاء أن يتعادوا وأن تنفجر روابطهم فيتناحرون ويتفرّقون. لقد دسّوا في آذان هؤلاء كلاما وفي آذان الآخرين كلاما آخر فأصبح الإخوة يرون إخوانهم أعداء وجبت محاربتهم. هذا الكلام إذا ما اقتفيت آثاره فإنّك لن تجد له أثرا إلاّ في آذان الإخوة الفرقاء. الأصل هو أن يجتمع أولئك الفرقاء حول ما يؤلّف بينهم لكنّهم تفرّقوا لمجرّد حديث بائس أريد به تفرقة المتآلفين. هو حديث بائس لا ينبغي أن ينطلي على النّاس فقد " دبّر بليل" وما دبّر بليل سوف يأتيه الصّباح ويندثر . سوف يذوب كما الزّبدة عند الحرارة. ولكنّ أثره قد علق كالصّدى بالآذان وجعل النّاس فرقا متطاحنة، كلّ فرقة تريد الفوز بما سيدرّه عليها من خير إذا ما دحرت الفرق الأخرى. سوف لن ينال أيّ فريق شيئا. وسوف يجد كلّ واحد من أولئك الإخوة نفسه فردا يعارك أفرادا كلّ منهم يقوده صدى ذلك الحديث المنمّق والّذي في الحقيقة لا طائل منه ما دام سيفرّق الجمع . الأصل في الأشياء أن تنأى المجموعة على كلّ ما يفتّتها إلى أشتات. والأصل في الأشياء أن ينتبه النّاس إلى أنّ الّذي أراد تفريقهم غايته أن يسودهم ويهمّش ما يصبون إليه وهم مجتمعين. تطالعنا خطابات حماسيّة من هنا وهناك فنتفاجأ بأحداث غريبة ومؤلمة. أحداث، بقي صاحب الخطاب من منبره يتفرّج عليها ويهنّأ نفسه بانجازه. في حين سال الحبر وانطلقت الحناجر من هنا وهناك تسطّر للنّيل من فرق أخرى قد يطالها الخير وهي لا. لا خير في هذا الحديث ما دام لا يجمع الفرقاء. لا خير من وراء مشاريع تسوّد هذا على ذاك. لن يتقدّم النّاس مسافة شبر طالما تشدّه رغباته لربح فرديّ يسيطر من خلاله على من هم أيضا حقيقون بذلك الرّبح فهو مشترك بالضّرورة ووجب أن ينتصر له ويجتمع حوله كلّ النّاس ليتحقّق.
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع