" مجلة بويب الثقافية " تلتقي بالمصمم العراقي د. أيسر فاهم وناس المعماري
مصدر الإلهام السرمدي يتجلى بمعنى الحياة و جمالها
حاوره/ د. دنيا علي الحسني
إستطاع المصمم العراقي،" د.أيسرالمعماري"، وضع بصمة خاصة له في عالم التصميم، وتمكن من إنشاء علامته التجارية، لترسم قصة نجاح ملهمة، تمثل الرجل العراقي المبدع في أبهى صوره، ويعد فن التصميم من التخصصات الحديثة والقديمة، التي تحاكي عصر الحداثة والتطور وتمزجه بالماضي والتاريخ، و يتجلى هذا الفن عن أشكال متعددة الوظائف فقد تكون مبنى معماري أو شكلا نحتيا أو حتى كتلة جمالية، تكسبها بأبعادها الخمس طابع حركي ثابت في الفراغ وتكون الإستعانة بالعناصر الإبداعية المبتكرة والجديدة. كان "لمجلة بويب الثقافية " فرصة إجراء مقابلة شيقة مع المصمم "د. أيسر المعماري" الذي استقى الثراء من التراث وعمق التاريخ، بالمزاوجة مع المرحلة المعاصرة وبالإصرار والشغف حقق النجاح بأبهى حلة، كما حصل على شهادة الدكتوراه الفلسفة تخصص تصميم بالأطروحة الموسومة، "مورفولوجيا التصميم البارامتري" كمدخل يثري الاشكال متعددة السطوح، وعمل مستشار ثقافي للسفير عماد طارق الجنابي في المجلس العربي الأفريقي للتكامل والتنمية وعضو لجنة "ألق بغداد" مع الموسيقار "نصير شمة"، ومقرر في لجنة "ألق بابل" ورئيس لجان التصاميم فيها، وإختصاصه المتميز بفن التصميم "البارامتري" هو إتجاه فني لا يجيده إلا القليلون في الوطن العربي وكنسبة عالمية أيضاً، وله بصمة لا يستهان بها في منطقة الشرق الأوسط، فقد عمل في دبي وقدم مقترحات من التصاميم الراقية، بالإضافة إلى مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط فكان هذا الحوار الممتع و المثمر معه .
*أخبرنا عن بدايتك وما الذي يمثله هذا العالم بالنسبة لك ؟
- كانت بدايتي عام/1995م، بمعهد الفنون الجميلة في بغداد والذي أهلني لذلك ملاحظة والدي لما أتمتع به من موهبة، فقد عزم أبي حفظه الله على أن أدخل معهد الفنون الجميلة في بغداد ورأى بأن ذلك مناسبا لي أكثر من أي شيء آخر، لم تكن بغداد غريبة عليَ حينها كوني من سكنة محافظة بابل، لأن نصف حياتي في جزئها الأول قد عشته في بيت جدي رحمه الله وهو والد أمي كوني الحفيد الأول لذلك البيت، بل أن عودتي لهم وإلى بغداد بعث في نفسي السرور، بكونها تمتاز وتختلف عن باقي المحافظات بإحتوائها لكل ما هو جديد وغريب، فكانت لي فيها تطلعات وأحلام وعمليات استكشاف حيث كانت المنافسة شديدة وشرسة في عملية القبول واجتياز الإختبارات بذلك المعهد، وحمدا لله تم قبول مائة وخمسون طالبا من أصل خمسة الأف متقدم وكنت أنا من ضمن المقبولين، ما زلت أتذكر حينما كنت واقفاً مذهولاً وفرحاً بقبولي وكنت واقف في وسط الباحة الداخلية، وألقي بنظرة بانورامية على المكان وأردد كلمة (الله) إعجابا بما أراه وحالما بما سأتعلمه والقاه كانت الفترة الذهبية في حياتي تعلمت في ذلك المكان الكثير، فقد كنا ندرس كافت الإختصاصات في السنوات الأولى الثلاث فتعلمنا فيها المسرح ،الخط ،الزخرفة، النحت، الخزف الجرافيك، الموسيقى، والرسم، فكان من تلك المواد مادتين لهما الوقع والأثر الأكبر في تعديل وتشذيب شخصيتي حينها، وهي الموسيقى والمسرح حيث كنت خجولاً ومتردداً بشكل مفرط ولا أعرف من أين أبدأ، إن الوقوف بخجل أمام كل الزملاء في مادة الموسيقى والإنشاد وتمثيل دور هاملت كسر كل الحواجز ومحى كل المخاوف ونمى عامل الثقة والمبادرة لدي، وكل ذلك ساهم في أن أذوب بشكل تام في تلك البيئة وأتفاعل معها بإيجابية، بعد إجتيازي المرحلة الثالثة في معهد الفنون الجميلة، كان لزاماً علينا تحديد الفرع الذي يرغب كل منا التخصص فيه لكن من سيحدد أو يحقق تلك الرغبة هو إجتياز الإختبار الخاص بكل فرع، وكانت تلك بوابة الدخول لعالم التصميم بالنسبة لي.
* ما الذي يميز تصميماتك عن تصميمات الآخرين؟
- لكل شيء في الإنسان بصمة، وهي ما يميزه عن غيره على الرغم من ورود بعض من المشاركات أي التشابهات في الميول والإتجاهات، بل حتى الأفكار وذلك ما يدعى بالفن التناص أحياناً وحسب طبيعة عمل المصمم، أميل إلى التبسيط والإختزال الشديد لسببين الأول يكمن في صعوبة ذلك الأمر لأن محاولة الخروج من سلطة العقل ليس بالهين لأنها تفرض على الإنسان مقيدات ومحددات مفاهيمية قد تمتد إلى مستوى الأداء، يقول: "بيكاسو عندما كنت صغيراً، تمنيت أن أرسم كالكبار وعندما كبرت تمنيت أن أرسم كالصغار"، أما السبب الثاني في توجيهي نحو البساطة يرتبط بميكانيكا العين فالأخير يحتاج إلى مساحات فارغة لراحة العين لاسيما أن التجريد فلسفة مهمة تمنح العمل الفني قيمة أكبر وتسهم في تحويل المصمم أو تبتعد به عن الحرفة، في تناقض يفرضه كما ذكرت طبيعة عمل المصمم التقدم التكنولوجي والآلات وروح العصر، وأهم ما يميزني عن غيري هو التصميم البارامتري، هذا ما يبدو بشكل عام.
* كيف تصف لنا أسلوبك المتميز بالتصميم البارامتري فماذا يعني ذلك وبماذا يختلف عن غيره؟
- بعد حصولي على شهادة الماجستير في التصميم من كلية التربية الفنية بجامعة حلوان- قسم التصميم في مصر، كتبت حينها عن عملاق العمارة المعاصرة، زها حديد رحمها الله، وكنت مذهولا كما العالم بما تقدمه من منجزات تكاد تكون خيالية فعزمت أن أستمر ببحثي في الدكتوراه بشكل أكثرعن ذلك الأمر، وطالت دائرة بحثي الدائم في التصميم البارامتري وبإختصار تعريف التصميم البارامتري هو نتاج فرضه التقدم العلمي والتكنولوجي حقول معرفية وعلمية متعددة، فهو يقوم على الرياضيات بشكل أساسي والفيزياء والإحياء والفن وأهم ما يميز هذه النزعة هو جعل التصميم كالعجين كما يقال طيع قابل إلى التحول والتغير بطريقة مذهلة، يخرج التصميم من الركود والثبوت من خلال التعديل في القيم الرياضية الخاصة بالمجسم، تمنح المصمم إمكانية الوصول إلى أشكال ورؤى جمالية مختلفة ومتعددة مع إمكانية الإحتفاظ بالشكل الأول والرئيسي، كما يتيح للمصمم فهم العديد من عمليات التشكل في بنى الطبيعة وإستثمارها وتوظيفها في عمل المصمم، كتفرعات الجبال والمسارات الخطية التي تظهرها تشققات الأرض الطينية المتيبسة أو ترقيعات جلد الزرافة وحتى البنى التشكيلية الداخلية المجهرية للخلايا وما شابه إن تلك المرونة تسهم في السماح للمصمم في تطبيق جانب التجريب بغية الوصول لأفضل النتائج، كذلك منح المجسم أبعاداً فيزيائية تتعدى بمفهومها وطبيعتها صفة التجسيم وتجعل منه شكلاً متحركاً وثابتاً في الفراغ لتمنحه بعدان آخران وهما الحركة والنمو، اللذان يشكلان البعد الرابع والخامس في الفيزياء وهو آخر بعد تستطيع العين البشرية إدراكه، كل ذلك جعل من التصميم فريداً جديداً، يتمتع بقدر من التعقيد لا يمكن أن يدركه أو يتوصل إليه المصمم في السابق ومن يتابع كل التصاميم البارامترية، سيدرك ذلك ببساطة، لكن ثمة شيء غاية في الأهمية وهو ترجمة تلك الأشكال الإفتراضية إلى واقع مادي، لذا فقد أتاح التصميم البارامتري للمصمم فرصة تحقيق تلك الأحلام والتصورات بالإستعانه بما قدمته لنا التكنولوجيا والأبحاث العلمية من خلال الخامات الجديدة والآلات كالطباعة الثلاثية الأبعاد وما يسمى (cnc)، وأبرز من سلك هذا الإتجاه من التصميم "زها حديد" رحمها الله والمعماري "فرانك جيري"، "وبيتر ايزن مان"، "وريم كولهاس" في مجال العمارة بإختصار أن المصمم البارامتري يشير إلى الشكل المتغير أو المتحول في الفراغ. * ما الأمر الذي يمثل التحدي الأكبر أمام المصمم؟ - أن التحدي الأكبر الذي قد يواجه أي مصمم يكمن في الفكرة والتفكير، لذلك يجب أن يجيد المصمم آليات التفكير، لأنها تمثل خلاصة التصميم أو هو خير ما يعرف به، ولاسيما أن عمليات التعبير والجذب والغرابة والفرادة والتوظيف وإستدعاء أو إستحضار المعلومات من المخزون المعرفي للإنسان وكيفية تحويل الأشياء المناسبة إلى مصادر إستلهام كلها تقوم على أمر واحد وهو إستراتيجيات التفكير أما الفكرة فهي نتاج نهائي لتلك العمليات العقلية والتي تشكل من خلالها رؤية وهوية أي مصمم. * ما هي أكثر المشاريع التي قمت بتصميمها كانت تمثل تحديا مهنيا لك؟ - إن أكثر المشاريع التي تشكل تحدياً لي ولأي مصمم من وجهة نظري، تنقسم إلى قسمين؛ الأول ما يرتبط منها بالتراث والأخر ما يرتبط بصعوبة التصنيع والإنجاز حيث أن دور فناني ومفكري وعلماء وأدباء العرب في فلك الغرب أنتج ثلاث إتجاهات فكرية إنسانية الأول؛ منها ذاب بالتراث وأعتبره شيء مقدس لا يمكن المساس به أو الإقتراب منه الأمر الذي جعل هذه الفئة تنسلخ عن روح العصر أما الإتجاه الثاني؛ فقد مال وذاب بالتطور التكنولوجي فأهمل التراث بالالتفاف إلى الوراء بشكل لا مبرر له ، مما جعلهم بلا أصل ولا هوية في حين الذي سعى فيه أصحاب الإتجاه الثالث؛ إلى الجمع ما بين الاثنين، وهو تحبيب التراث وإعادة صياغته بأساليب وأنماط معاصرة غير مألوفة كان ذلك من جانب، ومن جانب آخر الذي يمثل بدوره عائقاً وتحديا من نوع خاص أمام المصمم إلا وهو إمكانيات التصنيع على الصعيد المحلي وما يرتبط به من تخصصات مالية تفرضها الضوابط الإدارية والقانونية غير المحدثة على صعيد مؤسسات الدولة، أو الإمكانيات الإقتصادية على المستوى الشخصي للأفراد كذلك ضعف الوعي المجتمعي بضرورة وأهمية التصميم كعلم وحاجة إنسانية. * من يعجبك من المصممين وأي حضارة تجذبك؟ - بلا شك أن ما يعجبني من إنجاز المصممين "زها حديد" رحمها الله "وريان عبد الله" والعديد من المصممين الذين ساهموا في رفد الإنسانية بكل ما هو جديد وفريد ولكي أكون منصف، ومن وجهة نظري أنا لا أميل إلى الأشخاص والأسماء بقدر الذي أميل من خلاله إلى المنجز، أما الحضارات وما قدمته من إرث إنساني كله محط إحترام وتقدير كي لا أكون منحازا. * ماذا أضاف العمل مع العرب إلى مسيرتك المهنية وخبرتك العملية؟ - نعم أضاف إلى عملي إحتكاكي وتعاملي مع الكثير من الجنسيات العربية، حيث إن تماسي بشكل مباشر مع ذوي الإختصاص من، مصر، العراق، السعودية، الكويت الإمارات، سلطنة عمان، فلسطين، منحني فرصة الإطلاع على أفكار الآخرين والإستفادة من تجاربهم، وتحقيق التلاقح الفكري ومعرفة موقعي من الآخرين، إن العمر والوقت لا يسع لأن يمر الإنسان بكل ما مر به الأقران، ولكن النفع مما وصلوا إليه من نتائج أمر مهم للبدء من حيث ما انتهى الأخرون. * هل تشعر بأي فارق في التعامل بين عملاء الشرق وعملاء الغرب؟ - الحقيقة لم أعمل بشكل مباشر مع الغرب ولكن عملت وتعاملت مع من عاش أو درس أو عمل مع الغرب لسنين طوال، ومن المؤكد أن العمل أو التعامل معهم كان أكثر سلاسة ووعي وفهم، وثمة تقدير من خلال ذلك لكل ما أقدمه.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع