السّاعة
السّاعة في معصمي عادة وتعوّد ، هي قرينة الدِّقّة ، سيّدة النّظام . وحدها تمتلكُ زمامي ، تُحصي أعوامي وأيّامي وأنا بها شغوفة شغف الطّفل بأمّه ، شغف البلابل بأضواء الصّباح بل شغف العاشق لا تستقرّ تفاصيله إلّا برؤية مَنْ يحبّ . على صفحة الوقت بدقَّتها أدوّنُ مسيرة ، أهدر حلما أو أعتكف في محرابي أتهجّد القول ، أناغي الحروف وأردّد تراتيل الكلم المباح .
اليوم لا أدري ما يحدث ، اليوم ضقت بها ذرعا ، مللتُ دورتها المُغلقة ، قفص يأسرُني ، يسرق منّي ذاتي لأعيش في الدّورة كثور الطّاحون . اليوم ضقتُ ولا أدري كيف حدث ذلك ولمَ؟
لقد رأيتُها في صورة مختلفة ورأيتُني في دورتها الأزليّة عقربا إضافيّا يتحيّنُ فرصة الإفلات بل تهيّأ لي أنّني عثرت على مفتاح الزّنزانة العجيبة ، ساعة أحملها في معصمي فتحاصرني في دورة الرّتابة لذا قرّرت أنْ أتخلّص من ذلك القمقم ، سجّان مقنّع يذكّرني بالزّمن ، بالسّاعات ، بالدّقائق والثّواني بل بالبدايات والنّهايات.
السّاعة تلك التي رافقتني عمرا حتّى بات نبضها مِنْ وريدي . اليوم والنفس تضيق باللحظة ، بالمكان والزّمان قرّرت أن أكسر القيد ، أن أتجاوز التّرتيب والمواقيت . سحبتها مِنْ معصمي فانزاحت من حولي القضبان.رأيتُني أركض بل أطير ، أتماهى مع الأفق ، أتجمّل بألوان الشّفق ، أسترجع لمعة تفاصيلي التّي تكلّست في رنين السّاعة . تفاصيلي ، هاهي تستعير زرقة السّماء ، حمرة الشّفق ولمعة الضّياء فأراني في مرآة المدى شفّافة ، خفّاقة والزّمن بأمري يسير ، لا يحرّك ساكنا دون إشارة منّي أو تدبير . ما عاد الزّمن سجّاني أو عدوّي ، ما عاد قادرا على سرقة نبضي أو كياني . هكذا كانت الأشواق إلى المطلق توهمني فيهمس النّبض إلى النّبض . فسحة عشتها كسرتُ فيها الحدود والسّدود والصّلحُ بين عقلي وقلبي يُداعب رغبتي ، يُجامل رقصة مجنونة ضخّها رنين السّاعة في معصمي.
تونس .....5 2/ 10 / 2020
بقلمي ....جميلة بلطي عطوي
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع