حديث المطمورة
بعد حديث طويل حول الدخول المدرسي، ومعاناة الأطفال من بعد المدرسة عن منازلهم، يقف الريس فجأة منهياً حديثه بلازمة: اللهم إرفع عنّا الوباء[...]يرد عليه نجيب رجل ستيني خبر الحياة ودروبها، ماشي ساهل يترفع هذا الوباء، رفع الوباء يحتاج إلى عقول، وليس جلباب.
رد عليه المدعو الريس، رجل في عقده الخامس يتاجر في رحبة المواشي: حل الوباء سهل ومتاح.
يسأله الحلاق: ماهو ؟
يجيب الريس: المطمورة، المطمورة[...] سلم بسيط ينزلك إلى بطن المطمورة رفقة زوجتك وأبناءك.
يسأله نجيب: من سيطعمكم؟
الريس: الدولة ترمي لنا بالمؤنة إلى أن تنتهي الأزمة[...]
تتعالى القهقهات، ويبتسم مرتادوا صالون الحلاقة لعلهم إكتشفوا أن الدولة لا يمكنها أن تتكفل بسكان الأرض، فكيف لها أن تتكفل بسكان المطامر.
تذكر الريس أنه لم يستفد من الدعم الإجتماعي الذي إستفاذ منه المحتاجون مؤخراً، فقال: لعل الحجر الصحي في المطمورة يعيد إلى أذهاننا درس الفقيه وزوجته.
سأله الحلاق: ما قصة الفقيه وزوجته؟
يشرع الريس في سرد الحكاية قائلا:
يحكى أن زوجة اشتكت زوجها الفقيه إلى أمها العجوز، وحكت لها عن جبروته، وتسلطه عليها، وطلبت منها مساعدتها بحيلة، تلقنه بها درس لن ينساه.
أمرت العجوز إبنتها بشراء سمك طازج، ودفنه في الأرض التي سيحرثها الفقيه بمحراثه الخشبي[...]
شرع الفقيه في حرث حقله، وكلما توغلت محراثه في التربة، إلا وظهر السمك. فنادى على زوجته ليخبرها أن أرضه الفلاحية تنبت السمك، وطلب منها جمع الأسماك وطهيها لوجبة العشاء التي سيدعو إليها رجال الدوار .
أدى الفقيه صلاة المغرب، ودعى رجال الدوار لوجبة العشاء بمنزله، فحكى لهم قصة الأسماك التي تنبتها أرضه.
استغرب الرجال لحديث الفقيه، وقادهم حب الإستطلاع إلى منزله للتأكد من صدق كلامه.
عاد الفقيه إلى منزله، وسأل زوجته عن طاجين السمك، فأخبرته عن لذة السمك ورائحته الزكية.
دخل رجال الدوار إلى حوش كبير، فرشته زوجة الفقيه بزرابي تقليدية مهرت نساء الدوار في نسجها.
تبادل الحاضرون نظرات الإستغراب، وهم يرتشفون كؤوس الشاي، كما بدأت شكوكهم في نباهة الفقيه تحوم حولهم[...] عاد الفقيه إلى زوجته وسألها:
_ فين طاجين السمك البوري يا سعدية؟
_ اش من سمك يا الفقيه[...]؟
_ السمك الذي اقتلعته سكة المحراث من حقلي.
نفت الزوجة وجود السمك، وتساءلت كيف للارض أن تنبت السمك، فإنهال عليها بالضرب والرفس كعادته قبل أن يهرع رجال الدوار الحاضرين في الوليمة لمساعدتها. أخبرتهم السعدية بجنون زوجها، وأقنعتهم بأن الأرض لا يمكنها أن تنبت السمك. اقتنع الرجال بصواب كلامها و جنون الفقيه، فأمرتهم بإنزاله إلى المطمورة حتى يعود إلى رشده.
قيد الرجال الفقيه، وأنزلوه إلى بطن المطمورة، في إنتظار العودة إليه صباحاً، وتحريره إن تحسنت حالته.
لجأت السعدية وأمها إلى حيلة أخرى، حيث عمدتا طوال الليل على استعمال الرحى لإصدار صوت شبيه بصوت الرعد، ورمي جمرات بالقرب من المطمورة.
عاد رجال الدوار في الصباح الباكر، وفتحوا المطمورة للتأكد من تحسن حالة الفقيه. نظر الفقيه إلى وجوههم وسألهم:
[بغيت نسولكم على الرعد ديال البارح، فين طاح مائه]
نظر الرجال إلى بعضهم البعض، متأسفين لحالة الفقيه الصعبة، وأحكموا إقفال باب المطمورة عليه، وهو يصرخ طالباً نجدتهم.
عزالدين الزريويل
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع