الكـاتبـة نهـيلـة حنان / ظـلام الـفـجـيـعـة
عندما وطأت قدماه المقهى، توجه صوب بناء منعزل غطته نباتات برية متشابكة تحجب عنه الرؤية....ركن الى غفوته وأكمل حلما يافعا بين أشجار عارية و طقس بارد ليعيد السكينة الى جسده المنهك..... بجانب ظل وارف لشجرة عجوز وبعيونه الواسعة وشعره الذي غادره سواد الشباب مطروحاً للخلف كالأيام الماضية، يستند لإحدى الأشجار المتراصة على جانبي الطريق كأنه في حداد يستقبل التعازي، يحتضن طريقاً من الحجر الأبيض كأنه ميت مسجي في أكفانه البيضاء، كان ينظر للأفق نظرة المنتظر أو المترقب شيئاً ولكن في الحقيقة ثمت شيء ما بجعله دائم التفكير والشرود، أفاق من شروده كانت الهموم المتراكمة فوق رأسه كفيلة بأن تنتزعه من أعمق تأملاته... عبثا يحاول لملمة روحه المنصهرة المكابرة لكف الولاء، ولاء يقابله إنتماء لا مشروط دفين بين رغبات تلامطت بين جفونه وإنحرفت في الطرقات لتحتمي بحجر إكتوت تجاعيده بنار الإغتراب، غابت إشراقة ذاك الرجل وفاض الحزن من عيون لطالما كان من بريقها يكتمل البدر ويزدان القمر، فقد أجهش الفرح بالبكاء وإنهارت دموعه حسيرة وتضاعفت اهاته مكلومة منهوكة، تلبدت مشاعره وإخشوشتت حد التحجر على أرض (أزمور) الشامخة عصية النسيان، عادة ما كانت تلك المدينة هي الملجأ الوحيد وداعمه الأساسي للنجاح تمده بالقوة لمواجهة هذه الحياة التي لا حياة فيها، إلا أنه الأن أصبح يجد نفسه في مدينة لا يعرفها في شوارع يجهلها في منازل لا يذكرها، ذكريات قد أكل منها النسيان الشيء الكتير.... فرغم رماد العمر الذي خالط شعر لحيته مازالت روحه ترمح في ملاعب الطفولة، إمتدت أصابعه بحركة ثقيلة لكوب القهوة بينما عيناه تطاردان الفراغ في ركن خفيف الضوء، شيئاً فشيئاً أخد يزول الألم الطفيف الجاثم على صدره كهلال أحمر بين مدرجات السراب ليوقظ لواعج الحنين النائمة في الأفق، كانت إبتسامته تبعثر ملامحه الحزينة بينما جوارحه ساكنة كسكون الليل محاولا إستجماع روحه العالقة بين ماضيه الممزق وأطلال واقعه الأليم، لكن خلف ذلك الوصف رجل تتوهج أحاسيسه في نشوى تعلو أرجاء الروح تلك الإبتسامة الوامضة من حنايا الروح في ندى خاطف، أحلامه ملت طابور الإنتظار لكي تزيل ظلام الفجيعة المتراكم في ثنايا قلبه لكنه يتشبت بالأمل فنفسه الطاهرة خلقت لتقول "غدا يوم أجمل "، لم يعد يشعر ببهجة الصيف ولا وقار الشتاء ولا هدوء الليل أصبح كل شيء يستدعيه للرحيل
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع