الطريق إلى السلام يبدأ بتغيير الذات - دنيا علي الحسني

23 سبتمبر 2020

(0)

"الطريق إلى السلام يبدأ بتغيير الذات"

مقالة / دنيا علي الحسني

السلام الداخلي يفهم بأنه مجرد الشعور بالهدوء أو الوصول إلى حالة من الهدوء، نحن غالباً نستخدم كلمة السلام في التحرر من القواعد والأنظمة وحالات الحروب والإرهاب وما إلى ذلك، مع الإشارة إلى تلك الدولة أو المجتمع ، ويشير السلام إلى فترة من الزمن الذي لا يوجد فيه حروب، صراعات نزاعات وعندما يتكلم الفرد عن السلام فإن هذه الكلمة تكتسب معنى مختلفاً تماماً يستخدمها للتحدث عن حالة كونه فرد وهي إحدى مطالباته الأكثر شعبية، وصولاً إلى الشعور بالسعادة ، معظم الناس يتجاهلون ولا يدركون قيمة السلام النفسي الداخلي إلى الذات الذي يشير إلى حالة السلام في تكوينه العقلي والروحي، مع ما يكفي من المعرفة والفهم للحفاظ على قوة النفس في مواجهة الخلاف والتوتر ، وأن تكون في حالة "سلام" يعني للكثيرين أن تكون صحي نفسياً (متوازن)، وهو عكس أن تكون مرهق وقلق وترتبط راحة البال عموماً بالنعيم والسعادة والرضا .

وتعتبر بعض الثقافات السلام الداخلي حالة الوعي أو التنوير التي قد يمكن الوصول إليها عبر أشكال مختلفة من التدريب مثلاً : الصلاة ، قراءة القرآن الكريم ، التأمل، رياضة التشي تاي تشون ( اليوغا) أو الموسيقى الهادئة حيث تشير العديد من الممارسات الروحية إلى هذا السلام كتجربة روحية لمعرفة الذات ، و السلام الداخلي مطلب شرعي أمر به الله ورسوله قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89]، وقد جاء في آية أخرى عن تغيير الذات : إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11] ، وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد»".

من يمتلك السلام الداخلي كأنه يمتلك الدنيا بأسرها، ولم لا! وقد تصارع الملوك عليه وعلى راحة البال ولم يجدوهما، بل إن أغنى أهل الأرض يتمنى يعيش مرتاح البال حتى ولو أنفق ملكه كله ، السلام الداخلي ليس لأي أحد من البشر

وأن يحصل عليه، فهو مثله مثل "الشهادة" لا تكون إلا لسليم الصدر، ومن هنا أحببت أن أوجه كلامي لمن تعرض للظلم في هذه الحياة وهم كُثر ، بل أن أغلبنا تعرض للظلم من الآخرين

من الناس، و أعتدى عليك بالسب واللعن، ومنهم من أكل مالك، ومنهم من سب عرضك، ومنهم من أخذ حق لك، وغيرها من أنواع الظلم التي نتعرض لها كل يوم في حياتنا، فلا بد أن نسامح و نعفو عن من ظلمنا و نفرغ الشحنات السلبية التي نعيش بها ونجرب التسامح بشعور صادق .

أعلم أن الموضوع ليس بالأمر الهين ، ولكنه أسلم لك لتريح قلبك من هم العداوات، وهم الكره والغل الداخلي، وتذكر أنه ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزاً، فالعفو والتسامح ليس أمرًا سهلاً على النفس في البداية ولكن بالتدريج سيكون أمراً سهلاً ولك في رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة ، نعلم جميعاً كيف فعل به أعداء الله في حياة الدعوة وفي غزوة أحد ، وفي الطائف وفي مكة، كل ذلك وقال لهم: «يغفر الله لكم اذهبوا فأنتم الطلقاء» (سيرة ابن هشام:4/54-55) وغيرها من المواقف المشهورة في التاريخ الإسلامي، وتذكر أيضاً سيدنا يوسف عليه السلام، بعد كل ما فعله إخوتهِ به قال لهم: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم"، فالكريم لا يحمل حقداً في قلبه أبداً، فكن من الكرماء وسامح الناس حتى يسامحك الله..

قال إبن القيم رحمه الله: "يا ابن آدم! إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لا يعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها لك الله فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده، وأن أحببت يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده فإنما الجزاء من جنس العمل"، تعفو هنا يعفو هناك، تنتقم هنا ينتقم هناك، تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك".

فأنصحك بأن تراجع نفسك وتفرغ ما بداخلك من عداوات وغلٍ وحقد ، على من ظلمك وسلم الأمر لله..

ويكفيك حسبنا الله ونعم الوكيل بأن تريح قلبك وتطفئ نارك فالله يعلم ما حدث لك ومُطلع على كل كبيرة وصغيرة، وهو المنتقم الجبار فلا تضيع وقتك وصحتك في التفكير فيما حدث، وتعلم من أخطائك حتى لا تقع فريسة مرة أخرى لمعدومي الضمير.

وتذكر أنه لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين ، فجرب أن تنام اليوم وأنت مسامح من ظلمك مسلم أمرك لله على يقين ووعد من الله أنه ناصرك ومعوضك خيراً، قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور من الآية:22]، بلى يا الله لتكن النفوس زكية، خير الزاد في صلاح العباد والمسألة الحقيقية للسلام الدائم للعالم

يتعلق بالبشر لذلك نجد المشاعر الإنسانية أساسية أيضاً يمكن تحقيق السلام للعالم من خلال تلك المشاعر السامية حيث تتضح أهمية المسؤولية الفردية بأن نتوصل للسلام داخل أنفسنا ثم يتوسع تدريجياً ليشمل عائلاتنا و مجتمعتنا وفي نهاية المطاف الكوكب بأكمله، أن زماننا الصعب المليء بالتجاذبات الفكرية والصراعات الدولية والأزمات المالية تجعلنا نؤكد أهمية البناء الروحي والنظام النفسي في سد فجوة بين الواقع الفعلي والغاية الشخصية والتمسك بينهما بالسلام النفسي وراحة البال، لتحقيق الإنجاز والمتعة والإندماج بينهما، سائلةً المولى سبحانه لي ولكم أرغد العيش وأطيب حياة .