أخبار من المقهى
مع سيجارة وقهوة استمدّت لونها من دجى اللّيل يبدأ يومي أمام شاشة تلفاز المقهى التي اتردّد عليها..فاصطبح على أخبار من هنا وهناك و ابحث لي في تلك الأخبار عمّا قد يسعدني أو حتّى يطمئن قلبي على حال بلدي وأهله أو علّي انتهي إلى أخبار لم يتناهى إليها مسمعي أو مشهد لم انتبه إليه في يومي هذا أو فيما مضى من الأيّام..لكنّ الأخبار كلّها قاتمة ومتشابهة تملأ النّفس غمّا و بؤسا . و المشاهد تبعث فيّ الاشمئزاز و تربك تفكيري. تلك الأخبار تسحبني من المقهى إلى أزقّة ملأتها القمامة والمياه الآسنة ومستنقعات مياه الأمطار فأزداد حزنا وبؤسا . ألوذ بأسواق باتت أشبه ببورصة فيها تتضارب الأسعار أرتباطا بسعر الذّهب والنّفط ولا تراعي قدرتي ولا قدرة غيري ممّن كان مرتّبهم خاضعا هو أيضا لقدرة قادر يمسكه انّى شاء ويسرحّه متى شاء وكيفما شاء. شاشة التلّفاز تسحبني أيضا إلى خارج المقهى كلّما نقلت مظاهر تطوّر وازدهار في بلدان أخرى، نحن احقّ منها بذلك التّطوّر لأنّ لدينا ما يجعلنا سادة وقادة والحال أنّنا لا نقود بل نحن مقودين و مسيّرين.. فأستحي...أستحي ليس لأنّني من رحم هذا البلد لكن لأنّنا قادرين على التّطوّر ولا نتطوّر.. بلدي من المحيط إلى الخليج جميلة ولا تتجمّل أو لا يجمّلوها.. بلدي محبوبة من ناسها لكنّهم باتوا يكرهون المقام بها و يتهربون منها لأنّهم أحبوا الانتماء إليها ولم يستطيعوا أن بهنؤوا بها، منعتهم أيادي لا تحبّ البلد و سقتهم مرارة فوجدوا حلاوة وشبه انتماء خارج البلد. تسحبني الأخبار ايضا لأرى قدرات لم يعرها الكبار اهتماما فطمست و راحت تبحث عمّن يعيرها اهتماما فرحلت خارج البلاد ليرحّب بها الغير ممّن لا يريدون لبلدي خيرا بل يريدون لها السّقوط. بلدي مزرعة للشّعر والفنّ والعلم والجمال لكنّ المسيّر فيها ذهب ليأتي لنا بمزامير غير الّتي نحبّ أن نسمع وبجمال غير الّذي نرغب فيه ولا يتلاءم مع جلودنا فأصبحنا لا نسمع ولا نرى ولا نشتهي. وتسحبني أخبار الشّاشة لأرى جمالنا يتمتّع به غيرنا و كساءنا يرتديه من لا يتلاءم مع جسمه فكرهناه..ورحنا نتلذّذ بالحزن ونتلاءم معه وبرزت صورنا القاتمة في مشهد لطفل متشرّد سقى الأرض دموعا وملأ المكان بكاء، ورأيتنا في مشهد لامرأة تحمل رضيعها على ظهرها طول الوقت إمّا لأنّها تبحث له عن حليب أو أنّها تكدّ في المزارع حتّى توفّر له الحليب وليتها توفّر له ما يسدّ رمقه ورمقها فقد نسي أنّ لأمّه ثدي يرضعه من طول مقامه على ظهرها. وتأتيك الأخبار عن منازل دمّرت واشتعلت فيها النّيران أو أشعلت فيها النّيران فدمّرتها وليت الفاعل دائما من خارج الدّيار فعندها سنقول هذا ظلم واستعمار ونحن نحاربه منذ زمن، لكنّ أغلب الأحيان يكون الفاعل هو ابن الدّيار ولك أن تقول في أسباب فعله ذاك كلّ شيء إلاّ مصلحة البلد وأهله... تتعدّد صورنا البائسة والحزينة وهي في انتظار كلّ من يحترم نفسه ويحبّ بلده وناسه لينهض وينهض معه من شابهه ليغيّروا المشاهد ...
رشدي الخميري / جندوبة / تونس
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع