محكمة....
وقفت أمام القاضي كمتّهم و لا زلت لا أعرف تهمتي..
كلّ ما أعرفه أنّي متّهم و تهمتي ليست بسيطة..سأودع السّجن..وهذا السّجن هو قبر يودع فيه كلّ من تطاول على الحظّ..كلّ شخص مدّ عنقه إلى أكثر ممّا أعطي يودع هذا النّوع من السّجون حتّى لا بتجرّأ غيره على اتيان ما فعله هو..أمام القاضي كنت ارتعش و العرق يتصبّب من جبيني لأني أعرف جيّدا ذلك السّجن ثمّ إنّي لست مذنبا في شيء ورغم ذلك سوف أسجن ..وقبل أن يسرد لي القاضي تهمتي و البنود الّتي بمقتضاها سأحاكم ..طلبت فسحة من الزّمن لكي أنفّس عن خاطري ممّا يختلجني ويدمي قلبي..ولأنّي سأودع ذلك القبر..سمح لي القاضي بالحديث..
فقلت..سيّدي هذا القبر الّذي سأنزل فيه ليس غريبا عنّي و لست غريبا عنه.. فأخطائي كثيرة وزلاّتي لا تغتفر وقد بليت به أكثر من مرّة.. سيّدي القاضي أنا بسيط واخترت أن أعيش كذلك فلا يهمّني من الدّنيا سوى أن أستقيم فيها و أقوّم ما اعوجّ إن استطعت ولكنّي كثير التعثّر..أنا ابدع في التّعثّر وفي كلّ عثرة اسحب إلى السّجن لأمكث و أطيل المكوث كنزيل له مقرّ دائم لا يبارح سجنه إلاّ في المناسبات..أخطائي هي البساطة و العفويّة..أخطائي أنّي لا أمثّل و لا ادّعي..لا أستطيع و لا أحبّذ ذلك السّلوك..لا أراقب مشاعري ..لا أتعلّم من الدّروس السّابقة فأنا أعيش على سجيّتي و لا أريد أن أعامل النّاس بجريرة غيرهم..لست ممّن يسطّرون لمشاعرهم دربا فهي تلقائيّة كصاحبها..سيّدي القاضي حظّي عاثر ولم يسعفني أبدا حتّى أتجنّب سجنكم ..فعلي هو فعل كلّ النّاس من حولي و لكنّهم ينجحون و يرتقون ويطالون حاجاتهم و مآربهم في حين أتعثّر أنا وأسقط و الأنكى أنّي أعاقب نفسي بعد كل فشل فأدخل السّجن بإرادتي حتّى أنتقم من جوارحي الّتي تأخذني دائما إلى مسارات قد تبدو ملائمة لي في بادئ الأمر ثمّ يتبيّن أنّي أذنبت في حقّي و حقّ غيري ممّن جمعتني بهم تلك الدّروب ..بعد ذلك أقرّر التّحكم في مشاعري وعدم السّقوط في التّلقائيّة ..ولكنّي أعود فيتكرّر الانزلاق ..يا سيّدي اقض بما شئت ولكن هل لعثراتي دواء.؟. هل سجنكم لي لمعاقبتي أم لتأهيلي إلى حياة أفضل و تفكير أعمق؟..وهل أذنبت في أنّي لم اختر حظّي؟هل أسجن في قبر دامس لأنّي ما استطعت أن أحقّق لمشاعري الاستقرار؟.. سيّدي القاضي و سيادة المستشار و المدّعي بما أنّك نفس الشّخص ستكون نهايتي بين يدي حكمك فالسّجن الّذي سأذهب إليه أخذ من عمري الكثير إذ الأمر ليس جديدا بالنّسبة لي فكم من محاكمة و كم من تهمة أدّت بي إلى هناك و آخرها قضيّة الحال والّتي تابعتم سيّدي مجرياتها منذ بدايتها و قد أحطتكم علما حتّى لا تتّهموني و ها أنا بعد كلّ ذلك أمثل بين يديكم رغم ما تعلمون فهل التّهمة ثابتة ؟ هل نسيتم ؟ و أريد الإشارة إلى أنّكم دوّنتم كلّ حرف و كلّ حركة منذ البداية فهل طرأ شيء لا أعلمه ؟ سيّدي القاضي اقض بما شئت فقد استوفيت حديثي و أترك أمري بين يدي سماحتكم..
رشدي الخميري/ جندوبة / تونس
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع