عادت لها الحياة
وجدتها على أرض قاحلة تحيط بها طفيليّات شوكيّة و أتربة مشعثة جافّة وكانت قد انحنت و طأطأت رأسها..بدت من خلال أسمالها الرّثّة البالية أطراف شاحبة وهزيلة تعلن بداية النّهاية او هي النّهاية..اقتربت وشعرت أنّ شيئا خفيّا يدفعني إلى التّواصل معها...لكنّها شعرت بملامستي لجنباتها ولم تتكلّم ..أردت أن أعرف ما بها ثم تذكّرت أنّ المحتضر يحتاج عادة شيئا من الماء حتّى يسهّل موته أو يروي ريقه..أتيتها بالماء وسقيتها بعضه فإذا بي أسمع شخيرا كأنّه سكرات الموت أو هي كذلك ..بقيت أرقبها وهي ترتشف قطرات الماء ببطء . ثم ابيضّ المكان من حولها كأنّه كفن صنعه الماء لترقد فيه.. فارقتها لكنّي بقيت أتفقدّها من شرفتي كلّما هفا إليها إحساسي..وواظبت على رعايتها وتقديم بعض احتياجات البقاء إليها لتقاوم الفناء..لم تمت وبدأت تكتسي وبدأ ظهرها يستقيم وبدأت أطرافها تكتنز بل وتزدان..هل بعثت من جديد أم هي الرّغبة في الحياة ؟ لا أدري. غبت عنها مدّة لكنّي ما نسيتها وانتظرت عودتي بفارغ الصّبر لأراها..وعدت..عدت فذهلت و كأنّي بها كانت في انتظاري و قد لبست حلّة جديدة وتخلّت عن ملابسها القديمة الرّثّة والذابلة.. لبست ثوبا طغى عليه اللّون الأخضر اللاّمع وكسى أطرافها لون بنيّ زاه تناسق مع لون التّربة في المكان الخصب ...ثم ماست و رفرفت وكأنّها تباهي بي بني جنسها لتقول لهم ها هو الّذي جدّد علاقتي بالحياة..ورفعت رأسها شامخة وشدّت قوامها وحلّت أطرافها و وشّتها بأصناف الزّينة.. فرحت لأجلها ولأجلي و دامت علاقتنا. وعادت لتفاجئني مرّة أخرى عندما رأيتها وقد تزيّنت بزهور فائقة الجمال وظهرت منها ألوان العبير الشّذيّة تنعش المكان ..تلك هي شجرتي...
رشدي الخميري / جندوبة / نونس
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع