قراءة اولى لديوان شذرات من ذاكرة انثى للشاعرة التونسية عائدة الدشراوي
بقلم الكاتب : محمد المهدي حسن
تونس /
بقلم الكاتب : محمد المهدي حسن
تونس /
التأسيس للمعنى من خلال عتبات ديوان "شذرات من ذاكرة أنثى" لعائدة دشراوي:
تقدّم الكتب للقرّاء على شكل علب مغلقة أ صدفات ملتصقة لا أحد يدري ما تحتويه من محّار أو جواهر. لكنّ هذه الهدايا المثيرة للحفيظة لا بدّ أن نجد لها مفاتيح لنفكّ شيفرتها و نطّلع على مكنوناتها. قد يستعصي الأمر على المتسرّعين أو يعزّ على الفرحين بهديّتهم أن يمزّقوا أغلفتها منذ أوّل لحظة.
هديّة عائدة للقرّاء تتمثّل في ديوان بكر عنونته بـ "شذرات من ذاكرة أنثى"، كتاب أنيق يزينه غلاف جمع بين الألوان الساخنة و الدافئة ، يحيط بها السواد كإطار محتشم.
لعلّ محتوى و شكل الغلاف يكون أوّل العتبات التي يتوقف عندها القارئ قبل أن يرتمي في حضن الصفحات كإرتمائه في مياه البحر.
على غلاف ديوانها، فرشت عائدة أزهارا بألوان عديدة ثم رسمت بالورود طريقا يصّعّد إلى الأعلى مستعملة تقنية الــperspective لتجعل الطريق يتجه إلى عمق اللوحة أو إلى مستواها الثاني مخترقا مسافات متصحّرة أو مغيّمة توحي بالرّحيل إلى آفاق بعيدة : من الأراضي الخصيبة مثلا نحو الصحاري القاحلة أو من العالم الأرضي نحو السّماء، طريق رسمت عليه بالورود الزّاهية آثار مرور أنثى مغيّبة الملامح، نراها تقف بكلّ شموخ ، هناك، أعلى الصورة و تمسك برمز القلب بشكل مضخّم حتّى لكأنّ الشاعرة أرادت أن تقول أنّ الفناء مصير الجسد لكنّ الخلود للأحاسيس النبيلة و المحبّة: ماذا يمكن أن تكون مدلولات هذا الاختيار غير رؤية حصيفة مشحونة بالحسّ الإنساني الرّفيع الذي لا يغيب على شاعرة.
العتبة الثانية المتاحة قبل اكتشاف القصائد قطعا ستكون العنوان: "شذرات من ذاكرة أنثى"
و الشذرات هي ما رقّ من الشيء و تبعثر حتّى صار يوحي بمادّته و لا يعرّف به كفاية.
شذرات من ذاكرة، و الذاكرة قد تكون وعاءا مثقوبا يسقط منه البسيط التّافه و يرسّخ المهمّ القيّم.
أمّا الذاكرة هنا فهي ذاكرة أنثى، أنثى تظلّ مبحثا مغر للنقّاد و الفلاسفة و علماء الاجتماع فهي قطعا إشارة للمرأة في محيطها الجغرافي و التاريخي و الحضاري.
من خلال هذه العتبة، يمكن للقارئ أن يطمئنّ لكون مواضيع القصائد ستتناول المرأة كموضوع رئيسي لكن لحد هذه اللحظة يصعب الجزم بأن حديث المرأة الكاتبة سيكون سيرة ذاتيّة أو بحثا مجرّدا. حتما سنستقصي هذا من خلال تفحّص عتبات أخرى قبل أن ننصرف لفحوى القصائد.
العتبة الثالثة اخترناها فهرس القصائد. و نرى أن عائدة دشراوي وزّعت قصائدها بعد التقديم و كلمة الافتتاح، في أربع باقات أولاها بعنوان "هوية الانثى الكاتبة" و لعمري ليس أوضح من هكذا عنوان حتّى تكون علاقة القارئ بالأثر بمثابة غوص لاستكشاف رؤية كاتبة تنصّلت من جنسها حسب التقويم الاجتماعي و الطّبيعي و تلبّست بهوية الكاتب أو الشّاعر الذان يصعب تحديد جنسهما، حيث تقدّمت الشاعرة للقرّاء على شكل "معزوفة قلم" يسأل "من أكون؟" و يجيب علي السؤال سريعا بقصيد "أنا".
لكن قد لا تفي القصائد الستّة للتعريف بهويّة الكاتبة عندها عمدت عائدة دشراوي للتعرّي برمزيّته و جعلته عنوان الباقة الثانية ، و هي الأطول، فهل ثمّة ما أسهل من اكتشاف أنثى بدون قناع؟
تفاجئنا في الباقة الثالثة بعنوان "عتاب" و تستهلّها بقصيد "من أنت؟" لتحيل على الرّجل او الذكر ذاك الذي يكره الصّراحة "صارحني" و يلبس القناع "انزع قناعك" و يتصور نفسه الأقوى أو "المغتصب"، لكنّها سرعان ما تعلن ضدّه المعركة و تأمره بالرحيل "ارحل" و تنهي معه التفاوض بقولها "كش مات" إعلانا لإنتصارها عليه.
إنّه لتمشّ مدروس عن وعي ربّما سنلمس أبعاده في الباقة الأخيرة بنفس العنوان "وعي". لكن قد تشتبك المفاهيم و يستعصي على القارئ الحسم في جنس هذه الكتابة لأنّ عائدة تطرّق لمواضيع سياسية و ايديولوجية يشترك في الاهتمام بها الرجال و النّساء من حاملي القلم بدون فوارق.
جاءت العتبة الرّابعة على شكل قصيد مطبوع على الوجه الخلفي للغلاف و كان مدلوله مميّزا، لأنّه من المؤكّد أن الشاعرة اختارته لغاية في نفسها و لتوجّه قرّاءها قبل أن يغامروا بالغوص في بحر كلماتها الدافئ.
تقدّم الكتب للقرّاء على شكل علب مغلقة أ صدفات ملتصقة لا أحد يدري ما تحتويه من محّار أو جواهر. لكنّ هذه الهدايا المثيرة للحفيظة لا بدّ أن نجد لها مفاتيح لنفكّ شيفرتها و نطّلع على مكنوناتها. قد يستعصي الأمر على المتسرّعين أو يعزّ على الفرحين بهديّتهم أن يمزّقوا أغلفتها منذ أوّل لحظة.
هديّة عائدة للقرّاء تتمثّل في ديوان بكر عنونته بـ "شذرات من ذاكرة أنثى"، كتاب أنيق يزينه غلاف جمع بين الألوان الساخنة و الدافئة ، يحيط بها السواد كإطار محتشم.
لعلّ محتوى و شكل الغلاف يكون أوّل العتبات التي يتوقف عندها القارئ قبل أن يرتمي في حضن الصفحات كإرتمائه في مياه البحر.
على غلاف ديوانها، فرشت عائدة أزهارا بألوان عديدة ثم رسمت بالورود طريقا يصّعّد إلى الأعلى مستعملة تقنية الــperspective لتجعل الطريق يتجه إلى عمق اللوحة أو إلى مستواها الثاني مخترقا مسافات متصحّرة أو مغيّمة توحي بالرّحيل إلى آفاق بعيدة : من الأراضي الخصيبة مثلا نحو الصحاري القاحلة أو من العالم الأرضي نحو السّماء، طريق رسمت عليه بالورود الزّاهية آثار مرور أنثى مغيّبة الملامح، نراها تقف بكلّ شموخ ، هناك، أعلى الصورة و تمسك برمز القلب بشكل مضخّم حتّى لكأنّ الشاعرة أرادت أن تقول أنّ الفناء مصير الجسد لكنّ الخلود للأحاسيس النبيلة و المحبّة: ماذا يمكن أن تكون مدلولات هذا الاختيار غير رؤية حصيفة مشحونة بالحسّ الإنساني الرّفيع الذي لا يغيب على شاعرة.
العتبة الثانية المتاحة قبل اكتشاف القصائد قطعا ستكون العنوان: "شذرات من ذاكرة أنثى"
و الشذرات هي ما رقّ من الشيء و تبعثر حتّى صار يوحي بمادّته و لا يعرّف به كفاية.
شذرات من ذاكرة، و الذاكرة قد تكون وعاءا مثقوبا يسقط منه البسيط التّافه و يرسّخ المهمّ القيّم.
أمّا الذاكرة هنا فهي ذاكرة أنثى، أنثى تظلّ مبحثا مغر للنقّاد و الفلاسفة و علماء الاجتماع فهي قطعا إشارة للمرأة في محيطها الجغرافي و التاريخي و الحضاري.
من خلال هذه العتبة، يمكن للقارئ أن يطمئنّ لكون مواضيع القصائد ستتناول المرأة كموضوع رئيسي لكن لحد هذه اللحظة يصعب الجزم بأن حديث المرأة الكاتبة سيكون سيرة ذاتيّة أو بحثا مجرّدا. حتما سنستقصي هذا من خلال تفحّص عتبات أخرى قبل أن ننصرف لفحوى القصائد.
العتبة الثالثة اخترناها فهرس القصائد. و نرى أن عائدة دشراوي وزّعت قصائدها بعد التقديم و كلمة الافتتاح، في أربع باقات أولاها بعنوان "هوية الانثى الكاتبة" و لعمري ليس أوضح من هكذا عنوان حتّى تكون علاقة القارئ بالأثر بمثابة غوص لاستكشاف رؤية كاتبة تنصّلت من جنسها حسب التقويم الاجتماعي و الطّبيعي و تلبّست بهوية الكاتب أو الشّاعر الذان يصعب تحديد جنسهما، حيث تقدّمت الشاعرة للقرّاء على شكل "معزوفة قلم" يسأل "من أكون؟" و يجيب علي السؤال سريعا بقصيد "أنا".
لكن قد لا تفي القصائد الستّة للتعريف بهويّة الكاتبة عندها عمدت عائدة دشراوي للتعرّي برمزيّته و جعلته عنوان الباقة الثانية ، و هي الأطول، فهل ثمّة ما أسهل من اكتشاف أنثى بدون قناع؟
تفاجئنا في الباقة الثالثة بعنوان "عتاب" و تستهلّها بقصيد "من أنت؟" لتحيل على الرّجل او الذكر ذاك الذي يكره الصّراحة "صارحني" و يلبس القناع "انزع قناعك" و يتصور نفسه الأقوى أو "المغتصب"، لكنّها سرعان ما تعلن ضدّه المعركة و تأمره بالرحيل "ارحل" و تنهي معه التفاوض بقولها "كش مات" إعلانا لإنتصارها عليه.
إنّه لتمشّ مدروس عن وعي ربّما سنلمس أبعاده في الباقة الأخيرة بنفس العنوان "وعي". لكن قد تشتبك المفاهيم و يستعصي على القارئ الحسم في جنس هذه الكتابة لأنّ عائدة تطرّق لمواضيع سياسية و ايديولوجية يشترك في الاهتمام بها الرجال و النّساء من حاملي القلم بدون فوارق.
جاءت العتبة الرّابعة على شكل قصيد مطبوع على الوجه الخلفي للغلاف و كان مدلوله مميّزا، لأنّه من المؤكّد أن الشاعرة اختارته لغاية في نفسها و لتوجّه قرّاءها قبل أن يغامروا بالغوص في بحر كلماتها الدافئ.
الكاتب: محمد المهدي حسن
متابعة : إيمان مليتي
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع