ملك خاصّ؟ذهب إلى صديقه يشكو سلوك أحد جيرانه الّذي كان مولعا بفتح آلة تسجيل بصوت عال يكاد يسمع تقريبا في كلّ أرجاء الحيّ. قد يكون الجار أراد أن يبعث في النّاس نشاط بداية اليوم وقد يكون فعله رسالة مضمونة الوصول إلى من يهمّه الأمر. كان الحيّ صغيرا والمنازل الّتي أثّثته متلاصقة جدّا بحيث لا يمكن أن تنفرد بخيالك ومشاعرك وأفكارك إلّا إذا غاب هذا الجار لبعض الشّؤون أو عندما يكون نائما . الشّاكي كان دائما يصطحب كتابا أو قصّة ودفترا يسجّل عليه عبارة أعجبته أو كلمة راقت له أو لم يفهمها أراد أن يبحث عن معناها لاحقا. وقد يكتب بعضا من مذكرّاته عل دفتره . ثمّ إنّه من المبدعين فقد يتأثّر بمشهد فيكتب حوله ما قد يوحي به له. شكوى صديقنا تمثّلت في أنّ الضّجيج المحدث من آلة التّسجيل يمنعه من التّركيز. وكاد يؤول به الأمر إلى ترك ذلك الحيّ والبحث عن غيره حيث يمكنه أن ينفرد بما يحمل دائما في يده وما كان يستبطنه من ذكريات وموهبة في الكتابة. وصديقه صاحب نكتة ونباهة ولا يخلو فكره من تحاليل علميّة وفلسفيّه، تتمازج كلّ هذه الصّفات معا لتصنع منه رجلا يستطاب الحديث معه ويقنع مستمعيه بما يدلي به من جهة ويبعث فيهم البسمة مهما كانت حالتهم من جهة ثانية. فبعد أن استمع إلى شكوى صديقنا ابتسم وقال" ألم تعرف عن السّلوك الحيوانيّ في حيازة المكان؟ " فأجاب صديقنا بضحكة يفهم منها أنّه لم يرتق إلى مغزى إجابة صديقه. فأردف صديقه قائلا " أردتك أن تعلم أن الحيوان يحوز المكان برائحة تبوّله فيه ونشر ذلك على المحيط. وجارك يا صديقي أرادك أن تعلم أنّه سيّد الحيّ ورقم واحد فيه لذلك هو يفعل ما يريد وأنت عليك أن تقبل منه كلّ شيء لأنّك في ملكه ولو لم تكن صاحب أخلاق تروق له لطردك مثلما يفعل أيّ حيوان وهو يريد حيازة المكان." صاحبنا لم يعجبه التّشبيه فقال :" ليس لهذا الحدّ يا رجل" فيجيبه : " أراك لم تفهمني بعد..سلوك الحيوان في حيازة المكان جبلّة فيه وهو بذلك يعيش ويتواصل نسله. أمّا جارك فلم أصفه بالحيوان ولكنّه حاز الحيّ بسلوك حيوانيّ قد لا يعيه ولكنّه فعل. وهو في ذلك ليس الوحيد فلنا في مشاهدنا اليوميّة ما هو أتعس وبإرادة أصحاب السّلوك ذاك. ثمّ كيف لك أن تعرف أنّ جارك حيّ يرزق إن لم تسمع صوت الرّاديو؟ وكيف لك أن تهتدي إلى حيّك إذا غاب صوت الرّاديو؟ ههههه" فهم صديقنا واسترسل في الضّحك قائلا لصديقه:" صدقت ..صدقت" ثمّ استدرك قد فهمنا سلوك الجار وبمجرّد أن أتواصل معه سوف أطلب منه بلطف أن يسمح لي بحيازة منزلي ومحيطه على الأقلّ. لكن ماذا عن هذه المشاهد الّتي تماثلت مع سلوك جاري؟" رجع صديقه إلى الجادّة وقال:" ألم ترى أنّ الأخبار تطالعنا يوميّا بمن يرى أنّ البلد ملك له وحده ويحقّ له دون سواه أن يصول ويجول فيها وأن يديرها بالشّكل الّذي يستطيبه هو؟ فأين جارك من هذا؟ "
رشدي الخميري / جندوبة / تونس
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع