أي تقاطعات بين بطل رواية إبتسامة عند قدم السلم لهنري ميلر وسيرة الفنان الفكاهي الكريمي؟
وأنا أقلب في سيرة الكوميدي محمد بلحجام الملقب "بالكريمي"،أثار إنتباهي نوع من التشابه بين حياة بطل رواية إبتسامة عند قدم السلم لهنري ميلر، والحياة التي عاشها الكريمي سواء حياته الطبيعية أو الفنية،والمصادقة العجيبة أن بطل الرواية القصيرة لميلر أوغوست هو الأخر إمتهن التهريج في السيرك وإضحاك الأخرين،فأي تقاطعات بين حياة بطلنا الواقعي الكريمي وبطل ميلر الخيالي؟.
لقد جسد هنري ميلر في روايته القصيرة ابتسامة عند قدم السلم قصة المهرج الشهير اوغوست الذي أحس بالملل من دور المهرج الذي كان يؤديه في السيرك لإضحاك المتفرجين ،فغوجئ وهو على السيرك بالجمهور يقدفه بالقبعات وصيحات الإستهجان، لذلك قرر مغادرة السيرك والتخلي عن شهرته والعودة إلى الواقع حيث شبهه بسيرك كبير وشرع في التساءل من جديد عن طبيعة شخصه وتحديد الفرق بين أوغوست العادي وأوغوست المهرج الذي كان يتطلع إلى البحث عن رضى الأخرين بإضحاكهم ...
سيعود اوغوست من جديد إلى السيرك ليس كمهرج هذه المرة ولكن كأوغوست ،حيث سيشتغل في تقديم خدمات بسيطة مرتبطة بالسيرك التي كانت تشعره بالإرتياح أكثر من تصفيقات الجمهور .
سيتعرض المهرج أنطوان لوعكة الصحية ويضطر أوغوست لتعويضه على خشبة السيرك ،وتقديمه لعروض رائعة جعلت الجمهور يصفق له ،وينادي بإسم أنطوان معتقداً أنه هو فيما كان أوغوست فرحاً لكونه سيجعل من المهرج أنطوان ذا شهرة. غير أن موت أنطوان صباح اليوم الموالي للعرض وضع أوغوست في ورطة.
ليقدم بعدها إستقالته ويقرر الرحيل إلى أمريكا الجنوبية ،وأثناء نومه بالحديقة وهو يفكر في قرار رحيله إلى بلاد لا يتكلم لغتها، وجد ميتاً بعدما قلبه عابران فوجدوه مبتسماً.
في قصة واقعية بدأها محمد بلحجام من فضاء الدوار،حيث كانت أمسيات الدوار المسائية التي يلتئم فيها شباب القرية حول الفتى المهرج والمقلد محمد، ليضحكوا من قفشاته وتقليده لشخصيات الدوار ومختلف الحيوانات والطيور. هذه الموهبة ستتطور بعد خروج محمد بلحجام من سجن الدوار إلى مدينة أكادير بحثاً عن فرصة عمل في ضيعاتها الفلاحية رفقة أصدقائه،يحكي حسن اللحية أحد رفاق الكريمي في العمل داخل الضيعات، أنهم كانوا كل مساء يلتئمون حول الكريمي للإستماع إلى قصصه وقفشاته المضحكة لعلهم ينسون تعب العمل الشاق، ويضيف رفيق أخر أن موهبة الكريمي انطلقت من فضاء الفيرمة عندما كان يتعهد بتقديم الفرجة لعمالها بالمجان.
شكل ولوج الكريمي عالم الحلقة وتتلمذه على يد الغليمي،تحول ملموس في طبيعة الجمهور المستهدف بفكاهته،فمن جمهور شباب الدوار،إلى جمهور عمال الفيرمة،وأخير جمهور الحلقة المتباين والمتعدد الخصائص...لكن عموماً تبقى هذه المرحلة من أهم المراحل في مسيرة الكريمي،تربطه بها علاقة عاطفية، وشكلت مرحلة النضوج وإنفجار موهبته،وهنا يمكننا أن نشبهها بالمرحلة الأولى من حياة بطل ميلر أوغوست في روايته.
تميزت المرحلة الثانية من حياة الكوميدي الكريمي بإنفتاحه على الأستوديو،وتسجيل أشرطة وأقراص ذاع صيتها في مختلف مدن المغرب،
وحاول بعض الفنانين إستثمار موهبته لتحقيق أرباح لصالحهم، ودفعه الى إعتزال الحلقة وعروض الهواء الطلق في الأسواق الشعبية،لكن إكتشاف الكوميدي الشعبي الكريمي لطبيعة الإستغلال المذكور دفعته إلى مغادرة الصالونات والاستوديوهات والحفلات،والعودة إلى الحاضنة الشعبية وفن الحلقة لأنه آمن باللقاء المباشر مع جمهوره وتقديم الفرجة المجانية لعموم الفقراء...
وفي مرحلة ثالثة وبفضل التطور التكنولوجي سيعود الكريمي مكرهاً إلى فضاء اليوتيوب والفايسبوك...التي زادت من شهرته رغم أنه كان لا يستفيد منها مادياً.كما أن التراجع الذي عرفته الكوميديا في المغرب خلقت له حنيناً إلى التلفاز، فكان يصر على منحه فرصة الحضور في شهر رمضان لتقديم نفسه ولو بالمجان،إلا أن تنكر المحيط الفني والإعلام العمومي لموهبته أضعفت عزيمته فعاد من جديد إلى الهامش لتقديم الفرجة الحقيقية لسكانه.
وأمام إستمرار هذا النكران والتهميش سيركب الكريمي دراجته ويقرر الرحيل إلى عالم أخر مختلف عن عالمنا السيء،وأثناء سفره ستدهسه سيارة أكبر من دراجته لتسقطه أرضاً، كما دهس قطار النكران موهبته قبل،وعندما رفعوا عنه بقايا دراجته وجدوه مبتسماً لهم .
فتحققت قولة هنري ميلر: المهرج لا يكون عادة سعيداً إلا إذا كان شخصاً أخر.
عز الدين الزريويل
وأنا أقلب في سيرة الكوميدي محمد بلحجام الملقب "بالكريمي"،أثار إنتباهي نوع من التشابه بين حياة بطل رواية إبتسامة عند قدم السلم لهنري ميلر، والحياة التي عاشها الكريمي سواء حياته الطبيعية أو الفنية،والمصادقة العجيبة أن بطل الرواية القصيرة لميلر أوغوست هو الأخر إمتهن التهريج في السيرك وإضحاك الأخرين،فأي تقاطعات بين حياة بطلنا الواقعي الكريمي وبطل ميلر الخيالي؟.
لقد جسد هنري ميلر في روايته القصيرة ابتسامة عند قدم السلم قصة المهرج الشهير اوغوست الذي أحس بالملل من دور المهرج الذي كان يؤديه في السيرك لإضحاك المتفرجين ،فغوجئ وهو على السيرك بالجمهور يقدفه بالقبعات وصيحات الإستهجان، لذلك قرر مغادرة السيرك والتخلي عن شهرته والعودة إلى الواقع حيث شبهه بسيرك كبير وشرع في التساءل من جديد عن طبيعة شخصه وتحديد الفرق بين أوغوست العادي وأوغوست المهرج الذي كان يتطلع إلى البحث عن رضى الأخرين بإضحاكهم ...
سيعود اوغوست من جديد إلى السيرك ليس كمهرج هذه المرة ولكن كأوغوست ،حيث سيشتغل في تقديم خدمات بسيطة مرتبطة بالسيرك التي كانت تشعره بالإرتياح أكثر من تصفيقات الجمهور .
سيتعرض المهرج أنطوان لوعكة الصحية ويضطر أوغوست لتعويضه على خشبة السيرك ،وتقديمه لعروض رائعة جعلت الجمهور يصفق له ،وينادي بإسم أنطوان معتقداً أنه هو فيما كان أوغوست فرحاً لكونه سيجعل من المهرج أنطوان ذا شهرة. غير أن موت أنطوان صباح اليوم الموالي للعرض وضع أوغوست في ورطة.
ليقدم بعدها إستقالته ويقرر الرحيل إلى أمريكا الجنوبية ،وأثناء نومه بالحديقة وهو يفكر في قرار رحيله إلى بلاد لا يتكلم لغتها، وجد ميتاً بعدما قلبه عابران فوجدوه مبتسماً.
في قصة واقعية بدأها محمد بلحجام من فضاء الدوار،حيث كانت أمسيات الدوار المسائية التي يلتئم فيها شباب القرية حول الفتى المهرج والمقلد محمد، ليضحكوا من قفشاته وتقليده لشخصيات الدوار ومختلف الحيوانات والطيور. هذه الموهبة ستتطور بعد خروج محمد بلحجام من سجن الدوار إلى مدينة أكادير بحثاً عن فرصة عمل في ضيعاتها الفلاحية رفقة أصدقائه،يحكي حسن اللحية أحد رفاق الكريمي في العمل داخل الضيعات، أنهم كانوا كل مساء يلتئمون حول الكريمي للإستماع إلى قصصه وقفشاته المضحكة لعلهم ينسون تعب العمل الشاق، ويضيف رفيق أخر أن موهبة الكريمي انطلقت من فضاء الفيرمة عندما كان يتعهد بتقديم الفرجة لعمالها بالمجان.
شكل ولوج الكريمي عالم الحلقة وتتلمذه على يد الغليمي،تحول ملموس في طبيعة الجمهور المستهدف بفكاهته،فمن جمهور شباب الدوار،إلى جمهور عمال الفيرمة،وأخير جمهور الحلقة المتباين والمتعدد الخصائص...لكن عموماً تبقى هذه المرحلة من أهم المراحل في مسيرة الكريمي،تربطه بها علاقة عاطفية، وشكلت مرحلة النضوج وإنفجار موهبته،وهنا يمكننا أن نشبهها بالمرحلة الأولى من حياة بطل ميلر أوغوست في روايته.
تميزت المرحلة الثانية من حياة الكوميدي الكريمي بإنفتاحه على الأستوديو،وتسجيل أشرطة وأقراص ذاع صيتها في مختلف مدن المغرب،
وحاول بعض الفنانين إستثمار موهبته لتحقيق أرباح لصالحهم، ودفعه الى إعتزال الحلقة وعروض الهواء الطلق في الأسواق الشعبية،لكن إكتشاف الكوميدي الشعبي الكريمي لطبيعة الإستغلال المذكور دفعته إلى مغادرة الصالونات والاستوديوهات والحفلات،والعودة إلى الحاضنة الشعبية وفن الحلقة لأنه آمن باللقاء المباشر مع جمهوره وتقديم الفرجة المجانية لعموم الفقراء...
وفي مرحلة ثالثة وبفضل التطور التكنولوجي سيعود الكريمي مكرهاً إلى فضاء اليوتيوب والفايسبوك...التي زادت من شهرته رغم أنه كان لا يستفيد منها مادياً.كما أن التراجع الذي عرفته الكوميديا في المغرب خلقت له حنيناً إلى التلفاز، فكان يصر على منحه فرصة الحضور في شهر رمضان لتقديم نفسه ولو بالمجان،إلا أن تنكر المحيط الفني والإعلام العمومي لموهبته أضعفت عزيمته فعاد من جديد إلى الهامش لتقديم الفرجة الحقيقية لسكانه.
وأمام إستمرار هذا النكران والتهميش سيركب الكريمي دراجته ويقرر الرحيل إلى عالم أخر مختلف عن عالمنا السيء،وأثناء سفره ستدهسه سيارة أكبر من دراجته لتسقطه أرضاً، كما دهس قطار النكران موهبته قبل،وعندما رفعوا عنه بقايا دراجته وجدوه مبتسماً لهم .
فتحققت قولة هنري ميلر: المهرج لا يكون عادة سعيداً إلا إذا كان شخصاً أخر.
عز الدين الزريويل
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع