بالأبيض والأسود
بقلم: د. هالة الهذيلي بن حمودة
لم اعد أفقه اللحظة الهاربة من رحم اليومي المنهك
والمتمرد، فكل اشلائي المستلقية على اريكة البيت الرمادية لم تكترث قط لنداء
الساعة الأخيرة من الفجر، فهل من اعتكاف لراحة كفوف اليد في شهر جوان الخارق والحارق، واندماجنا طواعية في شهر
جويلية، ونحن نهرب حلما في انتظار انقشاع الغيم ونزول المطر.
تحدثنا طويلا عن الجائحة وجناحاها المفترسة،
ارتعبنا واختنقنا واختبأنا واخترقت الرغبة فينا كل مواسم التلاقي والاقتراب،
وتعودنا اليوم على التعود. خرج الشعب مهرولا للمغازات والشوارع والاهل والمساجد
والحانات والاعمال المتخلدة بالذمة. وانكشفت كل المعوقات التي رصفت جيدا بمخازن
المشاعر المنتهية الصلاحية، فماذا سأفعل الحين؟ لم يرتكب هذا الراس الصغير معصية،
سوى الافراط في التفكير وإصرار القلب معه على الوقوف في دائرة اثبات قوة الدوران
والمحبة وتحديد المصير. لم يكن سهلا بالمرة ان تنتصر على الخوف من الأذى، وان تشعر
بالفرحة العارمة في احتضان الاهل والأصدقاء فكان عيدا مرفها وكان عيدي حماسي لدرجة
مفخخة.
لم تدرك تلك الحالمة الممشوقة زهوا بطيب التناسق
الفكري، والتي تبحث لاكتسابه والتمرس على اللون وتشكيلاته بان يومها لم تعد سوى
حلما متثاقل الحركة. كل ما يحتويني لم يعد لي بل انفلت من سيطرتى الوجدانية. راحت
تنظر كالحمقاء المتكبرة في مرآة الجيب الصغيرة، وتبتسم ابتسامة جنونية عندما تغير
اتجاهاتها المراوية للتكبير والتصغير. فكيف نبصر الواقع بمنظار مضيء؟ أي تفاصيل
ستجاوز دلالات ادراكنا العقيم ونحن ما نزال تحت حماسة التعقيم. كم أكره هذا
التكرار التافه لليومي المختل نفسيا ومشاعريا وماديا. انني على عتبة الانهيار في
مجاري الخوف من الغد وفقدان القدرة على تقبل اللحظة الصفراء في واقع مميت...
فلم كل هذه الطاقة السلبية يا رفيقة الدرب
والسؤال والجمال والحب المكنون؟ ففي حياتك قفل صغير في أحلك مكان ببيتك الكبير، ادخليه
بقوة لا تنظري وراءك لا تخشي سقوط الكؤوس البلورية كوني بخير فاللون الوردي محمل
بالبراءة والطاقة المعطاء وفي الأبيض ملاذ الضوء والاشعاع.
تمتمت بكل خفوت صوتها المشحون، سأعالج هذه
الوضعية الحالمة في تعاظم عكسي، فلم تصرين على قتل راحتك واشتياق التفاهة التي
تحيطهم بامتياز؟ لم تعد ترغب في مجالسة الكلمة المستفزة ولم تعد قادرة على التخلص
من عبء واقع الشكوك المتتالية و أروقة التملك الفرعوني المخيف، فلم تعد باسمة
تعتقد في تبرير الفعل ولا نقيضه العنيد. تبسمت باسمة من جديد، وهي مهلكة بشجار
اطفالها المستمر والمرير، ارتكمت في سريرها لم تصرخ كعادتها لم تتوعد كسابقتها بل
صمتت ليوم العيد.
الخط حليفها الليلة ستكتب خطا وتخط رسما، رغم
ما يعيقها من الم المفاصل المشدودة وانطلاق خيالاتها اللامحدودة. الانشغالات
الجانبية، موطن المجادلات اليومية بينها وبين من يحيطها لكنها ممتلئة بكل الأمور
وهي مهووسة في البحث عن المسارات اليمنى واليسرى وما ملكت من ايمانها، فلما لا
ترسمين باليسرى وتبصرين جنون التعود والخوف من مجانية الانغماس في التعود. وضعت كل
ما يلزمني حولي واسترخيت كعادتي اتلمس لنفسي اعذار الإدمان الحلال للقهوة الخالية من
السكر، واتذكر كل ما استحوذت عليه من معارف مبعثرة من عالم الطاقة والاسترخاء والتأمل
والجذب والتسامح مع الذات والتجمل والعطاء والحب الخالص وغيره، وافقت مرتبكة على
انسكاب قطرات القهوة الساخنة من الكاس الممتلئ، فلملمت اوراقي المبللة وانطلقت في
عنان الخط والقلم.
قبلت باسمة المشاركة اليومية بتخطيطات حية
لعوالم مشهديه غنية في رواق مجموعة من الفنانين على صفحة الفيس بوك تحت اسم الأبيض
والأسود، ولم تكن تدرك ليوم ما انها تحمل كل هذا الوله بالأبيض كما الأسود في
تجربتها الطفولية في ممارسة اللون وامكاناتها الجمالية.
وتعودنا وبكل فخر على استثمار افكارنا
وسؤالاتنا وخطوطنا في سفارة الأبيض والأسود وتجددت احلامنا هنا وهناك بين فكرة
مثمرة تنمو سطورا من الشجر المنتج لبحرا من الاعمال المفخخة بدلالات الشكل
والصادمة بجماليات اللامتوقع والمسترسلة في نماء الخط وما جاوره في معمارية اليومي
ومستلزمات التعايش الجديد.
تعودت على القيم الضوئية وتشبعت من التجارب
المعطاءة لنيل سبل الرقص في رواق الحب بكل ما اوتيت من سبل انية وغير اعتيادية.
وكبرت الفكرة الجنونية في ان ارحل بين البحر وطائر الورق والعصفور والنوافذ كسلم
دردشة مشهديه، واقترب الليل على الانتصاف، وتمكن الألم بيدي اليسرى في رحلة الرقن
المتثاقلة بامتياز. وانصفتها اللحظة، وكلي اشتياق مجيد، لعودتي للطير من جديد،
فاحمل فصول السلام من قفص عتيد واخرج باسمة ليوم العيد. فهل ستعود الجائحة في المستقبل
القريب وكيف نضمن التعود في دائرة الراحة دون المساس بديناميكية الرغبة في
الاطمئنان الشديد. وعندما تسكن تونس بالتحديد فان في كل يوم فرح جديد، بما اننا نأكل
الخطر ونتوالد من بعيد، املا في مستقبل عتيد وأصحاب المقاومة المثقفة تنمو في جدل
كبير والمطالبة بحق الدكاترة في العيش العزيز في وطن كل شعبه ومنذ الثورة ...يريد
او لا يريد...
Abeer
Arbeed
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع