إلى مريانا - بلال عرباوي

حين تكون إنسانا عاديا، ستثقل عليك الأيام، تصبح كمن ينتظر الموت ليخلصه من المحبس الإجباري. ولكن حين تكون من الذين يمارسون الكتابة فستزيد العزلة عليك.

الكتابة فعل متجدد، ينبض بالحياة، يأخذ منها ويرد فيها، وحين ينقطع صاحب القلم عن ممارسة النشاطات الحياتية، فلا يختلط بالناس، ولا يحاورهم ولا يناكف أصدقاءه ولا يشاغبهم، حين تعود الحياة مستقرة لا إثارة فيها، وتركن الكتابة لاجترار نفس المسارات، واجتراح نفس المعاني، حينها يحكم على القلم بالموت.

أحدثك عن هذا بعد أن صرت أدور في فلك الفراغ كثيرا، أبحث عن الخلاص، عن تحليق دون أجنحة خارج فضاءات المعقول، أريد أن أتحرر من العزلة المضروبة عليّ، أكسر جدرانها القاتمة، وأعبر لعالم مقلوب، مواز لعالمنا هذا.
أتحرر فيه من محابسي، أعود فيه شخصا عاديا، أذهب راجلا، وأتمشى وأجري، ولا أبقى فيه طريح الفراش، أنظر فقط عبر فتحات النافذة لانكسار أشعة الشمس المتدحرجة.

منذ سنتين، وأنا أراوح بين فترات ازدهار كتابي، أبذل فيها نفسي، يطاوعني القلم حيث آمره، ليكتب قصاصات ملونة بالمشاعر والأحاسيس، وبين فترات ركود ينام فيها الحبر، ويأخذ القلم سبات في غير أوقاته.

منذ عامين، أحاول أن أبقى متجددا قدر الإمكان، لكي يبقى قلمي حيا، ولا ينقص نبضه ويضمحل حتى الفناء.
منذ حولين، أحاول أن أبقى في دائرة الخطاطين، الذين يحبرون الورقات ويلطخونها بزرقة محابرهم.
منذ عامين أحاول كي لا أعود إنسانا عاديا ينتظر الموت كي يتخلص من محابسه.

يا ماريانا، لو لم يكن طيفك نصيرا لي في هذه التجربة، حيث عندما أحس أن العقدة التفت على عنقي أكثر، أهرب إلى تحبير رسالة أحدثك فيها عما يدور في داخلي، لاستكنت إلى قدري ولاستسلمت لفكرة أنني إنسان عادي.
________________________________________________
بلال عرباوي 2020/06/27