الفصل الرابع عشر من قصة / هنا مات وطني ..
لا للمكان يتسعُ ضيق صدري , و لايستسيغ أنفاسي الممجوجة بهذا الهواء الملوث , وعيوني متحجرة في قوقعتها من ضيق المكان , و الساعات العابثة بالوقت تمضي بتؤدة وكابوسً تقمص روحي , فأقلق مضجعه فزفر نفسه من ثقوب أنفي الصغير بما أحتوى من أنصهاري , دخان يعرج ويتماها في ظلمة الليل الفاقد لنجومه , والمتعذر في المخاض لولادة القمر بعد أن توارى خلف أسبابه الزائفة للسطوا للغيوم الداكنة , وحجب وجه السماء , و كانت جثتي الهامدة حينها غارقة بعرق يشوبه القلق والتوتر , يداعبها الأنكماش و القشعريرة وتأن بالهذيان , تصارع واقعها بأحتراقها وتعنيف نفسها , لكن عبثاً ما تحاول من تخفيف وطأة ما ألت أليه أمورها , فذلك جعلها كرأس حربة من شدة الخوف لا تمتلك زمام نفسها , ساعة الأنقضاض والكابوس يسري ويستحوذ شيء فشيء , يفكك ويستبيح مفاصل الجسد المرهق ثم تتفسخ امام عيناي بطابعاً ملحمي غير مألوف , طال وقت الأنتظار لبزوغ ضوء النهار وساعتي العرجاء تتعثر بالوقت وتمضي ببطء , و أنا مازلتُ أعيش بين أنتظار بائس و حاضراً مأساوي غير قادرة على أستيعاب أي شيء منهُ , كل ما حاولت أن أغفوا قليلاً يترائ لي وجه المحقق على هيئة كابوس يقض مضجعي , و يطرد النوم من عيوني , و حينها أستيقظ مفزوعة بكل مرة و أجد تلك اللواتي يمتلئ بهن قاع السجن , يثرثرن بحكاياتهن اللتي لاتخلو من فضح أسرارهن اللاتي حدفت بمصيرهن المحفوف بالمخاطر ألى هذا الأنحدار المخيف , لا مكان أستطيع تجاوزها أو تخطيه كي أنوه عن نفسي ونسيان ذلك الجرح الغائرة عميقاً اللذي سببه لي ذلك العجوزه القميء , أو حتى التفكير بما تعانيه اليوم أمي أو حتى أخوتي اللذين لا أعلمُ شيءً عنهم حتى هذا الوقت أو أبي اللذي رمى بي بهذه التهلكة اللتي لا أعلم كيف سأنجوا منها , أم سأمضي طيلة حياتي بالتعايش معها , و من كان سببها , قدماي النحيلتان تؤلماني من طيلة فترة الجلوس على هذه القطعة الأسمنتية , اللتي لاتتجاوز مساحتها الأربعين سنتمتر , و أعضاء بدني المتخشبة اللتي تتألمُ بسبب عدم حركتي طيلة هذه الفترة , منذ دخولي ألى هذا السجن , ياليتني فقدت صوابي , أو أخذ الله أمانتهُ و أماتني بدل هذا العذاب اللذي أصابني بسبب طيش أبي ونزواته , و حبه لذاته , أنُهكَ فكري من شدة التفكير بتلك الرؤى السوداء اللتي قاسمتني كل لحظة و أخرى , و لم أجرؤ على مواصلة التفكير من جديد , سأضمد جروح نفسي حتى طلوع النهار , عسى أن يأتي قريباً بعد ذلك الأنتظار المميت اللذي دام أكثر من ساعات , حل الصباح و كنتُ على موعداً مع ذلك السجان المتعجرف , صاحب الأنف النحيف , اللذي ثابر على الدوام كل صباحاً بطلبي لأكمال التحقيق , و عندما حان موعد وصول المحقق , طلب مني السجان أن أتهيأ للخروج ألى مكتب التحقيق , فذهبتُ حينها لأغسلُ وجهي و أرتبُ هندامي بعد أن عاث به العرق من تلك الكوابيس المخيفة , اللتي سرقت ما سرقته مني ليلة أمس , و بعد مرور من الوقت جاء السجان ليأخذني ألى غرفة المحقق , فتح باب السجن , ثم كبل يداي و أقدامي بالقيود , و سحبني من يدي ألى غرفة المحقق , و عند وصولنا طرق السجان باب غرفة المحقق , يستأذنهُ بالدخول , ثم سمح له بالدخول , حينها دخلتُ و جميع مفاصلي تتراقص و ترتجف خوفاً منه , لا أعلم ما كان يكتب و حين أنتهاء من الكتابة رفع عيناه من فوق الورق قائلاً , كيف حالكِ هذا اليوم , أجبتُ بصوت خافت , الحمد الله اللذي جعلني أستنشق الهواء حتى هذا الوقت , أبتسم بوجهي ثم قام من كرسيه طالباً مني أن أجلسُ على الكرسي المقابل لطاولة التحقيق تنحيتُ جانباً بعيوناً لا تخلوا من التوسل طالبةً منه أن يفكُ قيدي قبل الجلوس , حينها نظر ألي بنظرات الأستغراب دون أن ينطق بكلمة , و هذه للمرة الأولى اللتي لم ينطق بها شيءً , ثم أخرج من جيب سترته بعض المفاتيح , ثم أنحنى أمامي دون تكلف يفك قيد أرجلي , ثم نهض يمسك بيداي و يفتح قيودها , و عيناهُ تحدق في عيناي ولا تبارحما أبدا , ثم تكلم بهدوء هل من طلباً أخر , أجبتُ بكلا , جلستُ و أنا أعجز عن التفكير بشيء أو حتى أستطيع تفسير تلك النظرات المثيرة اللتي صوبها لي , في تلك اللحظات , قال هل نبدأ بالتحقيق , أجبت بنعم , حينها قال , أود أن تحدثيني عن أول تجربةً لكِ في نقل أو بيع الممنوعات و من كان يمولكِ و من يعد لك حقائبك اللتي تغادرين بهم , حينها عدت بالذاكرة , كيف أستدرجوني و أستغلوني و أستخدموني لتحقيق مأربهم القذرة , كوسيلة نقل للممنوعات , دون أن أعلم بشيء , و هنا عاد بي الزمن كفلماً قصير مليءً بالأحداث و الصور اللتي جسدت تلك الحقبة المعروضة على سطح الطاولة ما بيني و بينه ..
بقلم الكاتب / مهند كريم التميمي !!
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع