من الأمثلة الشّعبية نستفيدقد نعيش مع علماء ولا نستفيد منهم شيئا فإمّا لقصور منّا في فهمهم أو لصعوبة ما يدلون به فلا نتمكّن من فهمه. وقد يكون ما يدلون به بعيدا عن واقعنا فلا نحسّه ولا نستصيغه فلا يعلق في أذهاننا فننساه. لكنّك قد تجلس إلى أحد كبار السنّ ممّن جرّبوا وفهموا الحياة فيعطيك ما يجعلك تفهم بسهولة ولا يمكنك ان تنسى ما أفادك به ابدا. يعترضني صديق وفي أثناء حديثنا عن بعض المسائل الاجتماعيّة في علاقة بما نعيشه ذكر لي مثلا من الأمثلة الشّعبيّة في تونس " الطّريق ركازي والبهيم دعثار والثّنيّة طويلة والعباية بلّار" فألهمني المثل بما يلي:
أن تتمكّن من تحقيق قيمة معيّنة في مكان ما وزمان ما شيء جميل جدّا و مطلوب بل هو شيء محمود. لكنّ الطريق لن تكون سهلة أبدا . ووجب أيضا أن تكون أنت ذلك المقدام، ذلك الّذي اختار فعلا ان يحقّق تلك القيمة مهما عظمت . الطّريق إلى أيّ قيمة في أيّ مكان وأيّ زمان يكون دائما محفوفا بالمطبّات والمعيقات والمطبّات والمعيقات تختلف في طبيعتها وفي مدى صعوبتها أو سهولتها . فماذا فعلت لتتحاشى أيّ معيق أمام تأصيل السّعادة؟ هل حدّدت ما يجلب السّعادة؟ هل عرفت النّاس في ذلك المكان وذلك الزّمان؟ هل قرأت دفاتر حاجاتهم فحدّدتها وفهمتها فحدّدت ما يجب فعله لإسعادهم وبثّ روح الأمل فيهم؟ نعم، الطّريق تستوجب الإجابة عن عدّة أسئلة ثمّ الاستعداد ماديّا وفكريّا وعاطفيّا اي نعم وعاطفيّا. ففي نهاية الأمر ما سنفعله في حياتنا لتحقيق رفاهنا ورفاه المحيط من حولنا سيكون مغالبة.
مغالبة للواقع المعيش..مغالبة للإمكانيّات المتاحة، مغالبة لعواطفنا الّتي قد تصدّنا في منتصف الطّريق عن بلوغ أهدافنا وهي أيضا مغالبة للعواطف حتّى لا نغيّر ممّا حدّدنا من مشاريع فنحوّلها إلى هنا او هناك او نرجئها حتّى يقوم بها غيرنا ونتخلّى نحن عن مسؤولياتنا. ثمّ من نحن لنتولّى اسعاد النّاس من عدمه؟ لقد اختارنا النّاس وأوكلوا لنا هذه المهمّة. وثقوا فينا لنقودهم إلى برّ الأمان وإسعادهم لأنّنا اوّلا ابدينا استعدادا للقيادة وثانيا لأنّنا أظهرنا دراية وحنكة. والمركبة لا يمكن ان يقودها اثنان فتتوه بنا ونصطدم بما لم يكن في الحسبان. لكن كيف ستكون القيادة ؟ هل على حساب النّاس أم لحساب النّاس؟ هل الرّؤية واضحة ؟ هل تدابيرنا واضحة بحيث لا تهمّنا المطبّات والمعيقات لأنّنا ثابتون على مبدإ ولأنّنا حدّدنا نهجنا بعد التّثبّت من إمكانيّتنا والطّريق الّتي نحن مقدمون على سلوكها؟ الطّريق وعرة ومنحنيّة وطويلة ، فهل قرأنا لذلك حسابا؟ الطّريق تتطلّب الصّبر والجلد فهل نحن قادرون على ذلك فلا نقف في منتصفها بحجّة التّعب أو قلّة ذات اليد؟ فلننتبه. ثمّ ماذا يطلب النّاس ؟ لم يطلبوا ان " توضع الشّمس في يمينهم والقمر على يسارهم" . لم يطلبوا أن يأتوا بماء البحر فيوضع في حجورهم. ثمّ هم لم يطلبوا التّغيير بين عشيّة وضحاها. طلبوا الاستقرار، طلبوا الشّعور بالانتماء. طلبوا بعض السّعادة وهي كامنة في حلحلة بعض العوائق من أمامهم و الإحساس بأنّ السّاهرين على قيادتهم يرغبون في الأخذ بأيديهم نحو السّعادة.
طلباتهم بسيطة لكنّها ثمينة ، بسيطة لكنّها بحجم الكون لديهم. مطالب النّاس الإحساس بهم والنّظر إليهم على أنّهم أصحاب حقّ الشّعور بالإطمئنان على ذويهم ثمّ خبزهم ومائهم . نعم هي بسيطة مطالبهم لكنّها في غاية من الأهميّة بحيث تتطلّب من يحسّ بها ويفهمها ويعرف الطّريق إليها فلا يبخل عليهم بها انطلاقا من إمكانيّات مكانهم وزمانهم .
رشدي الخميري / جندوبة / تونس
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع