في الخريف تتشتّت النّفس بين حياة وموت،بين أمل ويأس، بين وضوح وغموض،بين مدّ وجزر...،كورقة خريف تتناقلها أمواج صامتة،ورقة تُحاول الدّخول إلى أعماق البحر في جزر سخيف لكنّه يتقيّؤها بِمدّ عنيف....تخرج ورقة الخريف من البحر مطرودة،فتُصبح على اليابسة طريدة،تُلاحقها رياح هوجاء لا ترحم...وهل سترحمها إذا كانت أمّها قد تخلّت عنها،...الشّجرة،تلك الأمّ الّتي لا تكترث لأبنائها،...وهل تترك أمّ أبناءها إلّا إذا كانت حقيرة ترمي فلذات كبدها وتُعيد الكرّة فتكون حاملا من جديد... كانت الورقة تظنّ أنّها كلّ القصيدة لكنّ الرّيح أخبرتها بأنّ حياة الشّجرة تتجدّد في الخريف فترتدي حروفا غير الحروف،إنّها تستبدل أوراقها كأفعى تُغيّر جلدها بثوب جديد. رغم ذلك تعشق الورقة الخريف لأنّه زمانها،زمن الحرّية، زمن التّخلّص من القيود...هاهي ترقص بين زهور مُنحنية أرهقنا حرّ الصّيف،تُحلّق مع الطّيور،تُغنّي مع العصافير أنشودة الخيال،وتلتقي بأوراق أخرى ألقتها الرّياح في الأفق البعيد... قالت الورقة:"حين رمتني أمّي أرضا سِرْتُ في حقول الحياة، نهايتي يوم...،قحط بطيء يجتاحني لكنّني لا أبالي..،هو طريق الموت لا محالة،لكنّي أعيش يوما واحدا حرّة أبيّة،أجوب المروج والفيافي والجبال،أكتشف الكون،أرقص،ألعب،أغنّي، أشرب ماء العيون...وكلّما اقترب الموت أبتسم،وكلّما اشتدّ اصفرار وجهي أضحك...،إنّه موت العظماء...بئس ورقة تموت قبل حلول الخريف"... تصرخ الورقة عاليا:"أنا عاشقة الخريف...،مَلَلْتُ الحياة مُكبّلة في أغصان شجرة ولذلك فَرِحْتُ بحلول الخريف...استنشقوا هواء الحرية مثلي فالحياة حرّية أو لا تكون"...
---------------
ليلى كافي/ تونس
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع