السونس انتردي 26
غادر حمدان "الرّحبة " واتجه مباشرة الى الجهة الشرقية من السّوق البلدي المنفتح مباشرة على شارع الجمهورية. حيث مكتب عمدة المدينة و"مقهي تونس" وبعض دكاكين الاكلات الخفيقة والحلاقين و أحد الأبواب الرئيسة للسّوق أين ينتصب باعة الحلويات السليانية التي تعرف بها الجهة. إنها الحلوى العربي بألوانها وأشكالها ومذاقها المميز
فكنت تجد الحلوى" الجوّية "وهي حلوى هشة صفراء مفضلة لدى كبار السّن والعجائز
وتجد الحلوى "الحمصية" بلونها الاحمرالوردي وحلوى "ا لزقوقية" ذات اللون السكري المرشوش بحبات الصنوبر السوداء وحلوى الحليب المخلوطة بحبيبات السّمسم أو بحبات
الكاكاوية . ومنها ألوان عديدة بنكهة الورد والعطرشاء أما أفضلها على الإطلاق فهي الحلوى" قصب" بأشكالها الثلاثة "المستديرة والقضيب والضفيرة "وأطيبها جمعا الذات العلك " تتعلك"
الى جانب نوع آخر بحبات اللّوز وهي حلوى طرية شهيّة لا يجد لا لسانك ولا حلقومك ألذّ منها فسميت" راحة الحلقوم "
أما حلوى هريسة اللّوز فلا يُعلا عليها مذاقا ونكهة وحلاوة .
اشترى حمدان رطلين من الحلوى وضع له البائع من كل صنف. ووزن له قطعة من راحة الحلقوم. لفّها جميعا في ورق متين من" الكاغط الاشخم"
ويعتبر "سعد" المشهور "ببشكوطو "، وهو نوع من البسكوت الهش الطيّب ، من أضرف باعه الحلوى لأسلوبه الهزلي السّاخر حتي من بضاعته . فهو لم يمدح حلواه مرّة ، بل على العكس، كان يذمّها. وينصح من يشتري منه شيئا، أن يتناوله بالقرب من المشفي. ليكون قريبا من الأطباء وأعوان الصحة . لكن الحرفاء كانوا يضحكون ويشترون كان "بشكوطو" طيبا محبوبا بأسلوبه السّاخر من تردي وضعه الاجتماعي و غلاء الاسعار ونفقات العيال و ايجار الداّر.
وبعد أن اقتنى حمدان حاجياته غادر السّوق البلدي من الباب الغربي مروا بجانب مصاغة الجامي دون ان يلتفت الى ما تعرضه المصاغة من حليّ ذهبي "ذوق الثّمانية عشر
و الأربعة والعشرين" لكن حمدان لا يقدر على شراء" خُمسة" "ذوق تسعة" فما بالك "بفردة "او "شناشن" أو "شركة حصيرة "
وتذكر حمدا ن أن زوجته ذكّرته أكثر من مرّة إلى ضرورة تغيير الحصيرة التي أثّرت في جنبيها . هي امرأة بلا شحم ولا لحم على قوله لها . ودعته أكثر من مرّة الى شراء مضرّبة سرير"جراية كرينو " كبقيّة الأجوار
كان كل شيء يتغير لو حمار مسعود لم يكن حمارا ، ولكن ،إن سألتم الله ، اسألوه البخت ردد حمدان ذلك في نفسه مستغفرا . وقطع الطريق فوجد نفسه أما أشهر مطعم في المدينة على الاطلاق " السائح " واعترضته رائحة المرق والمصلي وعين صاحب المحل القابع وراء "الكاسة" وغُصين النّعناع يتدلى من تحت شاشيته القرمزية على أذنه اليسرى يراقب الصّغيرة والكبيرة في المحلّ .
يتبع ... نصر العماري
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع