السّونْس انْتردِي (22) - نصر العما ري

والشاّرع يزدحم بالغادين والرائحين من وإلى الرّحبّة. وكان خلف الله يتسلّل بين الجموع يؤرجح " طاجينه" الفخاري آخذا حذره أن لا يقع منه أو يصطدم به أحد المارّة

خيّر أن ينحاز إلى شارع آخر أقلّ ازدحاما . فانعطف يسارا ثم يمينا مرورا بجانب" مدرسة على البلهوان الابتدائية "حيث اعترضه أزيز طاحونة "قداس" ورائحة "البسيسة " العطرة غمرت أنفه . فتوقّف وأسند "الطاجين " بحذر للجدار المحاذي له وأدخل يده في جيبه فأخرج حقّة صفراء اللّون رسم على غطائها ورقة خضراء كانت علبة لحبات" الفلدا" نوع من الدّواء ضدّ التهابات الحلق. كان وصفها له طبيب الصّحة العمومية "الفرنساوي مارياتشي" لم تكن متوفرة بصيدلية المستشفي فاضطر لإقتنائها من الصيدلية الخاصة أو "السبيسيرية " كما يسميها العامة.

كان الحاج خلف الله ينتظر نفاذ حبات "الفلدا" بسرعة ، بل إنه لم يستطع الإنتظار. مما حدى به إلى إفراغ محتواها في قرطاس ورقي . فهو في حاجة أكيدة إلى هذه الحقّة الفارغة

تناولها و مسحها بمنديله الكتّاني وصبّ فيها عطوسه المفضّل" النّفة" مسحوق التبغ ، فالآن يمكنه أن يعطّر تبغه بعطر الورد أو" الفليو " عند "مختار النّابلي " بائع التوابل ولا يستحي أن يقدّم له هذه العلبة الأنيقة .

تناول خلف الله الحقّة بين أصابعه ، وربّت عليها بنقرات خفيفة حتي لا يعلق مسحوق النّفة في الغطاء . ثم فتحها وأخرج" قرصة" بين الإبهام والسّبابة ودسّها في فتحة أنفه اليمنى واستنشق بعمق ثم اليسرى مشتنشقا أكثر. وأغلق الحقّة ودسّها من جديد في جيبه

تناول" الطاجين" وأسرع الخطي نحو "مقهي سبيرس" في أسفل الشّارع فجلس خارجا وأسند ظهره و:الطاجين" للجدار. مناديا "كاس تاى أحمر عيش وليدي"

تناوله ساخنا من يد "القهواجي" فأرتشف منه ووضعه على جبينه لبضع ثوان ثم وضعه بجانبه على الطاولة وماإن رفع رأسه حتى وقع بصره على امرأة فارغة القوام تحمل قفة

من سعف الجريد . تضع على رأسها "شانا احمرا صوفيا" تدلت أهدابه على صدرها مع خمسة فضية كانت ترتدي فستانا مخططا باللون الوردي وتنتعل "شلاكة "بلاسيكية زرقاء كانت أمرأة بيضاء في سن الأربعين على ذقنها وشم على هيئة غصن كانت تسير في اتجاه الحاج الذي لم يغضض من بصره وبقي ينظر اليها وهي تسير نحوه و ما إن اقتربت منه حتى صرخت... يتبع

نصر العما ري