السّونس انتردي 15
واستقبلت روائح "الجاوي ،والدّاد" ،زبائن السّوق نساء ورجالا، وأطفالا منهم من جاء للتّسوّق ومنهم من جاء للفرجة والمتعة
فهذا" عز الدّين العائق" بلحيته الكثيفة تخفي أثار جرح غائرمن أعلى خدّه الأيمن الى أسفل ذقنه . وهذه آثار الخشوع والسّجود مرسومة على جبهته يحرص على ألا تغطيها عمامته الطويلة الطرف المتدلّي على ظهره، المتناسقة لونا مع قميصه الأفغاني . ومن فوقها سترتة السّوداء الّافرنجية .أما في قدميه فكان ينتعل حذاء رياضيا" نايك "
يفترش " عز الدّين " الأرض يعرض قراطيس عود القرنفل ،والعفص ،والمحلب، والسرغين، وحديدة الحرقوس والكحل الحجري والمدقوق في قوارير بلورية صغيرة الى جانب قوارير المسك و الورد و"البوفاس" الهندي و"الفيكس" الصيني بأنواعه ،دواء البرد وعلّة" الروماتيزم" ودهان الياسمين الفواح ودهان النّعام ضد أوجاع الرّكبة وألام الظّهر القاسمة وعرق الأسى المشلّ للحركة .وعند الشّيخ "العائق "شفاء النقرس وصداع الرأس والشّقيقة وأمراض النّساء من حيض أو نفاس أو العقم فلا حياء في الدّين كما يردد دائما وهو يعرض عليك وريقات الحصن الحصين . يحميك من الحسد والعين ولدغ العقارب وسم الأفاعي وهو لا يخفي عنوان اقامته لمن ترغب في جلب الحظ والتعجيل بالمكتوب وحلّ المربوط وتوسيع الرّزق وكان " عزّ الدين " بين الحين والآخر يلقي شيئا من "الدّاد والجاوي" في مبخرته ويصدح بصوته الأجش " الصلاة على النّبيّ"
وترى كتاب "رياض الصالحين" بغلافه المزخرف بالأخضر الفستقي و كتاب عذاب القبرالبنّي المائل للحمرة ومجموعة من المسبحات وقرطاس حبة البركة بجانب أعواد الأراك سواك الرّسول صلى الله عليه وسلم وسنّة السّلف الصالح الى جانب صور ة سيّادنا عليّ كرّم الله وجهه بسيفه المميّز وصور البوراق والجازية الهلالية .
وشيئا فشيئا يكتضّ الشّارع وتمتزج أصوات الباعة والحرفاء
وتطل عليك الرّحبة بأبوابها الثلاثة . باب الملابس والأثاث المنزلي من الدّرجة الثّالثة من حيث الجودة والإتقان من الجهة الجوفية .
أما من الجهة الغربية فباب الحبوب من شعيرو قمح بأنواعه المحمودي والرّزاقي والكريم والشيلي الى جانب البقول الجافة من فول وحمص وذرة التي يحلو للعامة تسميتها "مسطوره" وترى الباعة يكيلون للمشترين بمكاييل مختلفة ك"القلبة " "بالقاف ثلاثي النقاط عند نطق الكلمة " أو "نصف القلبة" او "العشوري" وهي مكائيل معترف بها مراقبة ومختومة من طرف السلط المعنية .
لكن "الحاج خلف الله " اختار الدّخول من الباب القبلي باب المواشي، بمختلف أنواعها من أغنام وماعز وبقر وعجول أما الأحمرة والخيول فهي تدخل من باب الحبوب . فيُنزل ما عليها من حمولة وتعرض للبيع إذا كانت لذلك.
عند كل باب كنت تجد مجموعة من المكّاسة المكلّفين بجمع معاليم المكس الموضّفة على كل بضاعة تدخل السوق.
فالرّحبة سوق بلدي يكتريه أحد المضاربين أو السمسارة أو التّجار لنفسه أولمجموعة معه
من المجلس البلدي على إثر مناقصة عمومية يحرص من فاز بها على أن لا تفتكّ منه في قادم الأعوام لا بقوة القانون ولا بمنافسة المضاربين
ويحرص صاحب السّوق علي انتداب مجموعة من الأمناء من الوجوه المعروفة في المدينة بالشدة والغلظة حتى لا تثنيهم الطيبة والحياء على جمع أمواله المبعثرة بين الناس وكما يقول" أدفعها ملايينْ وأجمعها ملاليمْ "
ألقى الحاج خلف الله السّلام على أمناء الباب القبلي. وشرع يتسلّل بين الخرفان والماعز وأصحابها يروم الوصول إلى "عجلة أو عجل سمين" يرضي سيّده الولي الصالح ويحفظ ماء وجهه أمام زوار الزاوية.
وتقدّم قليلا فاذا به أمام "حمدان" يتخبط يولول ويندب حظّه وهو ملقى على الأرض وأحد الحضور بيده جرّة فخارية "برادة " انتزعها من يد أحد الاطفال الذين كانوا يجوبون الرّحبة يبيعون الماء ينادون بأصواتهم العذبة "اروي يا عطشان " الشّربة بدورو ياعطشان"
وبدأ يرش بمائها البارد حمدان مرددا "ربي يخلف عليك"
والطفل من حوله يذكره مع كل رشّة بثمن ما بدّد من ماء " توه وصلت خمسة دورو ..سته دورو ياعمي"
ومسعف "حمدان " يرشّ الماء غير مكترث للطفل الجزع على فراغ الجرّة وخوفه من ضياع ثمن الماء أوتحطّم "البرّادة " لا قدّر الله .... يتبع
نصر العماري
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع