القائمة الرئيسية

الصفحات


إلى معلمة الصف السادس أساسي
شكرا
لولا تقريعك وتأنيبك لي يومها ما كنت سأبلغ هذا اليوم.
شكرا لأنك كنت الحافز والقادح ، شكرا لإن الغيظ الذي حل بي بسبب "بخصة" ذلك اليوم عاد بالنفع عليّ .
شكرا لأنك أعدت توجيه إهتمامي إلى المطالعة دون أن يكون لك قصد بذلك ولكن استهزاءك من هوايتي جعلني أتغير 180 درجة.
أتتذكرين معلمتي ذلك اليوم؟! ربما أنت لا تتذكرينني فما بالك بيوم من سنة دراسية خلت ولكن ما ملقي الكلام كمتقبله.
أتتذكرين يوم سألت عن الهوايات وأغلب متفوقي القسم اختاروا المطالعة، بينما اخترت كرة القدم.
كنت أجلس قبالة مكتبك، في الطاولة الأمامية، على ميمنة القاعة، بجانب النافذة التي تفتح على الشارع، ويقابلني باب القاعة، وبامتداد بصري أجد أمامي قاعة الفرنسية ثم الورشة،ثم قاعتان، إحداهما لمعلم الرياضيات و الأخرى كذلك لمعلم الفرنسية.
كان الزمن المدرسي مساء، والحصة على مشارف الانتهاء .
كنت تتجولين بين صفوف الطاولات، وتثنين على أصدقائي أصحاب الهوايات الكلاسيكية، المطالعة، الرسم، العزف، الشطرنج وغيرها، ولمّا أخذت الكلمة قلت أنني هاو لكرة القدم فما كان منك إلا أن قلت بنبرة الاستهزاء تلك والتي مازالت تتردد في أذني "كرة القدم هاه كنت نحسبها المطالعة" ، ثم أدرت الكلمة وأعدت رفع إصبعي لأتجنب الإحراج الذي وضعتني فيه، فقلت المطالعة، فما كان منك إلا أن أعدت استهزاءك الأول " تو عاد ولت المطالعة "
أتعرفين يا معلمتي أن المطالعة كانت وردا يوميا لي لذلك لم أعتبرها هواية، كنت من الذين يلتهمون ما يأتي في أيديهم من القصص و الحكايا ، حتى أنني أقرأ نصوصا من كتب أخي الذي يكبرني بخمس سنوات، ولكن المطالعة وقتها ومع ظروف كظروفي لم تكن هي المخرج السريع، كنت أفكر في المستقبل، ولم أكن أفكر في حاضري . ماذا كانت المطالعة ستوفر لي؟ هل أنها ستوفر لي مستقبلا زاهرا؟
وقتها كنا مشدوهين بإحراز كأس إفريقيا للأمم، لم يمر سوى سنة أو سنتين على ذلك البهرج و تلك الاحتفالات و ذلك الاحتفاء باللاعبين. فكيف وقتها لمن يعيش ظروفا مثلي أن تكون هوايته المطالعة، وهو يرى أن المجد في ركل كرة الجلد؟
شكرا لأنك فعلت ذلك، لولاك لما قرأت كل تلك النصوص، لولاك لما أشتد عود قلمي.
أتعرفين، كنت من الموهوبين كتابة منذ أن كان عمري ثماني سنوات، وقتها ترسلني معلمتي إلى قريبة لي لأطلعها على انتاجاتي الكتابية، ولكن موهبتي هذه بقيت راكدة، ولو لا ذلك الحافز لما تطورت ولأكلها غبار الأيام .
منذ ذلك اليوم أصبحت دودة كتب، لا أفلت من يدي أي كتاب، حتى أن أبناء جيلي من "حومتي" لا يعجبهم انشغالي، فكنت لمّا أذهب لبيت صديقي وأجد كتابا، أنشغل به وأطلب منه أن يعيرني إياه، فيرفض لأنه يعرف أنني سأركن في المنزل لأسد شهيتي للكتب التي فتحتها و لن تغلق، وهو يفضل أن ألعب معه في الجوار على أن أقوم بذلك.
ربما في ذلك الوقت اعتبرتها إساءة منك وحز في نفسي كثيرا أن أتلقى ذلك التقريع والاستهزاء بسبب هواية هي أيضا فيها متعة كالمطالعة ولكن الآن أنا ممتن لك، وأرفع قبعتي لك لأنك جعلت مني دودة كتب ففي حالتي الآن لا تنفع كرة القدم كهواية، ولكن الكتب هي متعة خالصة .
أجدد شكري لك معلمتي (ن.ج) وأتمنى أن تكوني حيثما أنت بألف عافية. سامحتك على التقريع فقد كان شرارة لم تنطفئ و لن تنطفئ.
تلميذك النجيب بلال عرباوي
_________________
بلال عرباوي 2019/02/15
Reactions

تعليقات