الاِجتثاث
🕳 🕳🕳🕳🕳🕳
يُصِرُّ الاِجتثاثُ على التّفاوض معي قائلا:"لقد اجتثثتُ كلّ شيء...لم يبق في الأرض ما يستحقّ أن نُدافع عنه إلّا أنفسنا،هي الحياة لم تركن يوما إلى الهدوء مُحاولة إخماد نيران السّلام". يضحك السّلام من سجنه القصيّ في فوهة بركان خامد قائلا: "لقد اجتثّني البشر وألقوا بي هنا ووضعوا حمم البركان حارسا عليّ...إِنْ حَاوَلْتُ تسلّق الفوهة للخروج منها سيثور البركان وسيَفْنَى كلّ البشر". هكذا نحن اليوم،...اِجْتَثَّتِ الحياةُ كلّ ما يُسْعِدُنَا،ورَفَضَتْ أن تُنْبِتَ الغلال والخضر ومنعت عنّا كلّ خيراتها...بل طَمَرَتْ كلّ العيون والآبار وسَمَّمَتْ الأنهار والوديان،...فَنَاصَرَتْهَا السّماءُ ومَنَعَتْ عنّا الأمطار... بَطَلُُ هو اليوم ذاك الغريبُ الّذي زارنا يوما فطال مقامه بيننا... -"مَنْ أنتَ أيّها الغريب؟"،سألناه يوما. -"أنا الاِجتثاث جِئْتُ مبعوثا من القدر،...لقد دَنَّسْتُمْ أرواحكم أنتم يا بني البشر،فَجِئْت لِاجتثاثها...سترحل الأرواح إلى هناك، ستصعد إلى السّماء لِتَنْأَى عن حضيض غطّى أرضكم فَلَفَظَتْكُمْ ورَغِبَتْ عنكم". -"وكيف لِأُمٍّ أن تلفظ أبناءها وتتنكّر لهم؟"... -"أنتم اخترتم عقوقها فَجَعَلْتُمُوهَا تَشْقَى ولَا تَرْتَاح،تخترقها سكرات الموت منذ قرون ولا تموت بسبب خضوعكم وخنوعكم،...لقد أَهْدَيْتُمُوهَا رداء السّواد ومَنَعْتُمْ عنها الأمن والطّمأنينة...فكيف لها أن تَحْتَضِنَكُمْ من جديد!!!!" -"سيّد الكون أنت أيّها الاِجتثاث!!!،...وليس لنا إلّا أن نُقدّم لك أرواحنا هديّة قبل أن تجتثّها". سِرْتُ ونفسي بعيدا...ولكن لَامَفَرَّ منه،فقد اجتثّ جميع الأرواح ولم تَبْقَ إلّا روحنا...إنّها تهرب منّا...وأنا لا أثق في نفسي...آه لو يختار الاِجتثاث نفسي ويتركني مع روحي وأَعِدُهُ بِالاِبتعاد عن صخب البشر...لقد اعتزلتهم منذ الأزل بل اعتزلتهم قبل أن أُلْفَظَ إلى هذه الحياة. باغتني صوته من بعيد:"لِتَحْيَيْ عَلَيَّ أن أَجْتَثَّ روحكِ وعليكِ أن تعيشي صراعكِ مع نفسكِ،...فهذه هي الحياة". لم يَعُدْ لِلسّماء وجود،فقد أصبح الاِجتثاث غطاء يُحِيطُ بالأرض...وما حيلتي أنا أمام هذا الاِجتثاثِ اللّعينِ...هو ليس إلّا جُنديّا من جُنود القدر...
سَكَنْتُ لِنفسي وتَعَاهَدْنَا أن نكون نحن كما أرادت لنا روحنا أن نكون...وكَيْ لَا أُصْبِحَ مُجَرَّدَ قِطْعَةِ طِينٍ لَفَظَتْهَا الأرضُ من جوفها قَرَّرْتُ أن أَحْمِلَ كلّ يوم جَرَّةَ مَاءٍ،وأَسِيرَ بها نحو الجبل وأَسْكُبَهَا فوق رأس السّلام المسجون هناك في فوهة البركان لِيَحْيَا...فَيَوْمًا ما سيخرج مُوَاجِهًا الحياة،بل مُواجها حُثالة البشر...
____
_________
ليلى كافي/ تونس
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع