كعادتي أستيقظ مبكراً و كلي شوقاً لتشغيل المذياع لسماع عصفورة الشرق فيروز و تجهيز قهوتي ثم الخروج من منزلي متجهاً لصندوق بريدي الذي يحتوي على الصحف الصباحية اليومية و بعض رسائل المعجبين لي ، فتحت الصندوق جمعتُ كل ما كان بداخله ثم عدتُ ألى منزلي لأجلسُ بالقرب من نافذتي لأطلع على ما كانت تحتوي تلك الصحف و المغلفات ، بدأتُ حينها بفتح أول المغلفات و كان يحتوي على قصاصةً صغيرة باللون الزهري مع وردةً زهرية جميلة و كان محتواها صباحك أنا ، أبتسمتُ في داخلي ثم حاولتً سحب المغلف الأخر للقراءة و إلا بفنجان قهوتي ينقلب رأس على عقب ، ليشوه جميع ملامح ما كان بداخل تلك المغلفات و الجرائد ، حينها قلتُ على ما أعتقد بأن صباحي مزدهراً هذا اليوم ، فذهبتُ حينها لأجلب قطعت قماش لأحاول تنظيف المكان و تجفيف سطوح تلك المغلفات و الجرائد و ألا بالمغلفات تمتلئ بالقهوة حتى تخفي جميع ملامح تلك القصاصات الصغيرة ، حزنتُ كثيراً في داخلي فركنتُ تلك المغلفات و حاولتُ سحب اولى الجرائد للأطلاع على محتوى أولى صفحاتها و إلا بقهوتي تمحي جميع تفاصيلها و لم يتبقى منها سوى عنوان كبير كان يكتب بللون الأحمر بـ ... من هنا تبدأ ثورة الدماء مصحوبة بصورة ثورية باللون الأبيض و الأسود ، كانت تحتوي على رجل يرتدي ثياباً سوداء و على رأسه قناع وقاية و المكان من حوله يغص بدخان القنابل المسمى مسيل الدموع حاولت حينها جاهداً بصنع المستحيل من أجل أظهار محتوى ذلك العنوان و قراءة تلك السطور التي كانت تملئ الصفحة لكن لا أستطيع فعل أي شيء ، حينها أطلعت على الجرائد الأخرى لكن للأسف لم تنشر كمثل هذا الخبر بعدها أتجهتُ للمذياع و أنا متردد عسى أن يكون هذا الخبر كاذب حاولت تقليب الأذاعات و لم أحصل على أية نتيجة أو خبر ، و لم يتبقى لي سوى تشغيل التلفاز و البحث عن أي شيءً يحتوي على ذلك الخبر ، و بعد تشغيل التلفاز لحظتُ بأن الأذاعات تنقل خبر عاجل بأن البعض من طلبة الجامعات و المدارس و ذو الدخل المحدود يقومون بمظاهرة سلمية في أحدى مناطق مدينتي مطالبين بأصلاحات و نواياها حينها أصابني الذهول بما أراه في هذا الصباح الباكر فحاولت حينها أرتداء ثيابي و الخروج من منزلي لمواكبة تلك المظاهرات السلمية أللتي تخرج من أجل تحقيق بعض المطالب المشروعة و النجات من كارثة أنسانية حقيقية قد يكون سببها أحد الشخصيات السياسية ألتي تمارس دورها عن طريق أجندات خارجية و بعد خروجي مسرعاً من منزلي متوجهاً الى منطقة المظاهرات شاهدتُ أناس كثيرة تملئ الشوارع و تستقل العجلات و الدراجات يحملون الأعلام و اللافتات لكن لم أنتبه ما كان مكتوباً عليها ، فكنت على عجلةً من أمري حينها أستأجرت تكسي ثم توجهت للمكان المقصود و حين وصولي كانت الأجواء هناك أشبه بالمظلمة من شدة حرق الأطارات و المواد المستهلكة و قطع جميع الطرقات و التقاطعات المؤدية للمكان بالحجر و الحواجز الحديدية و غيرها ، حينها نزلت من التكسي مسرعاً لأنضمامي الى تلك التجمعات ألتي كانت تطالب بحقوقها و كانت محاطة بأشخاص لم أراهم من قبل يرتدون الزي الأسود و الأقنعة المخيفة حاملين على أكتافهم أسلحة غريبة و في أيديهم هروات سوداء ، سألتُ أحدهم ماذا يجري و كيف تكونت هذه التجمعات و من هؤلاء أصحاب الزي الأسود ، نظر لي و كانت ملامحه غاضبة و عيناه تمتلئ بالدموع من شدة الحرائق و الدخان اللتي تعم المكان قال سأخبرك لاحقاً بعد أن نسيطر على ذلك الجزء من المنطقة فتركني مسرعاً و إلا بأصحاب الزي الأسود تبدأ بأطلاق الرصاص الحي و الكثير من مقذوفات غاز مسيل الدموع على كل من يتقدم بأتجاههم لمنعهم من الأقتراب منهم و بعد تقدمي ما بين تلك النيران و التجمعات الغاضبة وجدتُ هناك الكثير من المصابين يسقطون أرضاً بأطلاق الرصاص الحي والمطاطي وبعضهم يسقط تحت الضرب بالهروات والخوذ اللتي يعتمروها على رؤوسهم وتلك الأقنعة البشعة اللتي تخفي ملامحهم بصورة مقززة تنفر المتظاهرين منهم وهم هامون كأنهم ألة قتل لصوت الحق و القضاء على جميع المتظاهرين المطالبين بنهضت تلك الثورة العظيمة اللتي كانت تود تغيير النظام الذي نهب و سلب و دمر و أعتقل و قتل و أغتال الكثير من الشخصيات التي كانت تسعى لأنعاش الواقع الأقتصادي بسبب فشل النظام السياسي ، و بعدها أزداد الوضع سوءً حيث كانت الأجواء تعجُ بالمطالبات و الشعارات اللتي تهدف بأسقاط النظام و تغيير الدستور لتحقيق مطالب المتظاهرين منهم و فجأه يسقط أحدهم شهيداً بعدما أستهدفت رأسه قنبلة غاز و كان الدخان يخرج من عيناه و أذنه و رأسه يا ألهي على هذا المشهد اللذي أصابني بالقشعريرة والحنق والغضب الجارف وترأى أمامي حينها مشهد وطني اللذي قتل على يد أجندة خارجية كانت تطمح منذ زمن بعيد على هدم سيادتة و تهجير شعبه و سرقة أثاره و خراب معالمه ، حينها أصبتُ بأختناق مفاجئ ثم رعشة تملكت جسدي وغثيان أفقدني صوابي وأنهرت أرضاً ولاأعلم حينها من تلقفني عن الأرض وجرى بي وهوينادي هناك من سقط من فعل الغاز المسيل للدموع أبعدوه لكي يستنشق الهواء النظيف و بعد أسعافي تبين بأني أصبتُ بأختناق بسبب أمتلأ المكان بالقنابل الدخانية اللتي خرجت من أفواه بنادق هولائك الأشرار و بعد أن تم معالجتي عدتُ من جديد ألى تلك المنطقة الدامية محاولاً أسعاف البعض من هم بحاجة الأسعاف و للمساعدة وعند حلول الظلام بدأت تزداد جحافل المتظاهرين بكثافة مجنونة وبشكل عشوائي من جميع الطبقات المثقفة و أزدادت معها شدة الضغب و كانوا أصحاب الزي الأسود تطلق النار بكثافة مجنونة لكن لا فائدة من أمرهم الشعب يود أسقاط النظام ، الشعب يود أسقاط النظام ، كانت تلك الشعارات تملأ كل مكان حتى غطت على أصوات تلك الرصاصات الخبيثة التي كانت تصيب الكثير منا ، لا نتعب ، لا نبالي ، لا تهزمنا رصاصاتكم ، لا نعود ألى منازلنا حتى أسقاط النظام ، أو نكون شهداءً أحياء ليسجل التاريخ بطولاتنا حينها تحركت بنشاط لقذفهم بالحجارة بنشاط وعزم ، و فجأه شعرتُ بأحدهم يحدثني لكن لا أراه قال لا تخف منهم فهم جبناء و نحن من زرعنا الخوف في قلب كل واحداً منهم هم جاؤ لقتلنا و نهبنا و سلب حقوقنا ، قلتُ من أنت شعرتُ بأنه يقترب مني و هو سعيد يبتسم وضع يده على كتفي قائلاً ، أنا الشهيد الحي اللذي سألتُ في الصباح من هؤلائك أصحاب الزي الأسود ، أنا قلتُ لك سأخبرك لاحقاً بعد أن نسيطر على ذلك الجزء من المنطقة ، حينها تركتك مسرعاً لرميهم بالحجارة ، لكن للأسف لم أشفي غليلي بهم حتى أصابني أحدهم برصاصة قناص في رأسي حتى أوداني شهيداً ثم نطق بصوته المختنق في حنجرته هل تعلم من يرافقنا في هذا الموكب ، قلت من ، قال اللذي كان يجلب لنا الماء والمناديل في البدء ، قال الكثير من رجال هذه الثورة العظيمة و من بينهم أطباء و ممرضين و دكاترة جامعات و أعلاميين و مصوريين و رسامين و مثقفين و بعض طلبة الجامعة و صغار الكسبة من الفقراء و المحتاجين و كافة أطياف الشعب الواسع ، أبتسم حينها في داخله ولاحظة الحزن تغشي عيناه كانت تغرق بالبكاء الشديد ثم صمت ،،،،،،،،،،،، ثم قال و هل تعلم من معنا أيضاً ، قلتُ من ، قال أخيك و أبن أخيك و أبن عمك و رفيقك المقرب و أبن جارك الصغير اللذي كان يوزع لنا الماء و المناديل في بدايتها ،،،،،،،، أقسم برب الكون لم أحتمل هذا الشعور اللذي راودني و أنا أكتب هذه المحاورة اللتي دارت بيني و بين الشهيد الحي حينها أنهمر دمعي صدقاً و سماع عويلي لكل من كان بالقرب مني ، حتى توقفتُ عن باقي أكمال هذا المشهد ، أنتهى ..بقلم الكاتب / مهند كريم التميمي !
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع