قراءة تفاعلية في نص
(إلهي)
للشاعرة زخات الهذيان.
بقلم محمد صالح محمد تقي.
النص:
إهداء إلى : سيّد الحرف ...إلى الّذي ينطق حرفه بكلمات ليست كالكلمات ....إلى الشّاعر المبدع الرّائع : فوزي آل عمّار
إلهي
إلهي .......
هذا الشّاعر يحتاج أكثر من فرصة !
" ليعود الدّم لسيرته الأولى
ويُصبح شقائق نعمان "
فأوّل الهطول قطرة ... قطرة ...
ثمّ قطرة
ليمتلأ جيْب الغيْب
ويضحك الهلال ! .......
........................................................
إلهي ......
هذا الشّاعر لم يتفاوض معك
بَعْدُ ! ......
على مسائل الأمّة
فمثلا
مثلا .....
على سبيل المزْح
لا الجدّ
هل يُصدر برلماننا
فتوى
لقطع اليد ! ....
....................................................
إلهي .......
هذا الشّاعر مازال طفلا
مازالت روحه
معلّقة في الغيْم
ترضعه ...
لأنّ القدر في وطني
لا يرحم اليُتم
ويسخر من باكورة الحلم ....
ويعقد اللّسان .........
...................................................
إلهي .....
هذا الشّاعر يحتاج أكثر من فرصة !
فاللّغة العربيّة بعده
مهدّدة بالقفر ....
والوصف سينتابه القحط ...
سيلعن المجاز القدر ...
ستُعاني الكِناية الضّجر ...
والتّشبيه الخجلان ...
سيعلن العِصْيَان ! .....
.............................................
إلهي ...
هذا الشّاعر بحر
يزخر بالدرّ والمرجان ....
وأنا امرأة جميلة
يسكُنني الغرور ! ...
ويزيدُ فَتيله
عندما أتحلّى بالدرّ والمرجان ...
وأهجعُ
عندما
" يعودُ الدّم لسيرته الأولى
ويُصبح شقائق نعمان "
..............................................
زخّات الهذيان
...............
القراءة التفاعلية.
يبرز نص أنيق جدا، له جدته وطرافته وجاذبيته الجمالية، حين يتوشح برهافة الحس الفني الإنساني فيمزج في عواطف الذات الشاعرة وعلائقها بين:
* العاطفة الإنسانية:
فيطفح النص برؤية شاعرة لشاعر، ويتدفق الاقتباس الفني متكررا، بدءا وختاما، منشئا جسرا روحيا ولغويا موصلا بينهما " ليعود الدّم لسيرته الأولى / ويُصبح شقائق نعمان " . هو ذا التفاعل الإيجابي الحي المؤثر في تبادل رسائل شعرية حياتية غايتها الإنسانية نبيلة وراقية متمثلة في التناص الجميل المستوحي الموحي.
.
* الهم الإنساني:
لا يقتصر الرابط بين -الشاعرة والشاعر هنا- وبين نصها ونصه، على اللغة وحدها كرابط، ولا على الأداء اللغوي المحكم والمبهر الشاعري فقط، بل إن التفاعل المنبثق من الذات الشاعرة يجتاز ذلك إلى الرؤيا الفنية المشتركة التي منها تتشكل عوالم النص وتبلغ مدياتها من حيث المضامين والفكر والقضايا. إنه امتزاج لا يتقوقع على انبهار للغة حيث لا يقف على مجرد هذا الإعجاب الأحادي الجانب، بل هو اتساق روحي وفكري يجمع قضايا إنسانية عامة تشغل الذاتين وتعبر في بعدها عن معاناة الذات الإنسانية في إطارها الأشمل والأوسع في تناول قضايا عامة ترتبط ب:
.
-الأمة العربية:
(إلهي ....../هذا الشّاعر لم يتفاوض معك بَعْدُ ! ....../ على مسائل الأمّة )
-الأوطان العربية:
(لأنّ القدر في وطني/
لا يرحم اليُتم/ ويسخر من باكورة الحلم ..../ويعقد اللّسان)
-اللغة:
حين تحمل هذه اللغة الشعرية أكثر من هم خالص وخاص بالذات فقط ويستغرق حياتها الشخصية المحدودة والأنانية:
/فاللّغة العربيّة بعده
مهدّدة بالقفر .../والوصف سينتابه القحط .../
سيلعن المجاز القدر .../
ستُعاني الكِناية الضّجر .../
والتّشبيه الخجلان .../
سيعلن العِصْيَان !)
.
*المناجاة الربانية.
إن النص يبدع هنا في توظيف أسلوب النداء وتكراره بما يشيع من ألفة جمالية، لتتلون العاطفة بين حب إنساني خاص للشاعر وحب عام للناس، وبين حب للذات مع حب إلهي تترجمه الشاعرة في تعلقها بالذات الإلهية ومناجاتها والمحادثة معها بكل شفافية، وبشكوى صريحة، وبدعاء حار، واستعراض لواقع حياتي مفروض على الشاعر والشاعرة ومن خلفهما الناس.
إن الاعتماد على هذه المناجاة، وإشاعتها وتعميمها في كل مقطع وبهذا النداء الحميم المحبب للنفس (إلهي) خلقت جماليتها الخاصة وبها استطاعت الشاعرة أن تتنقل لأكثر من دائرة، وتشكو من أكثر من هم، في موازنة بين الضيق والأمل، والانكسار والانتصار، والافتتان الفني بالشاعر والتعليل الموضوعي لذلك، وهكذا...
حقا، إن أنماط الشكوى والدعاء في هذه المناجاة غير مألوفة، وصادقة وجدانيا وفنيا، ومتنامية، وحكيمة جدا، وقد عبرت بأساليب مختلفة عن قضايا جافة بعناوين كبرى وتلميحات في أسلوب فني مبهج ومشوق ومقنع .. كما في النص، مثلا:
(فمثلا /مثلا ...../على سبيل المزْح/لا الجدّ/
هل يُصدر برلماننا/
فتوى/ لقطع اليد ! ....)
إنه واقع الفساد والتستر عليه بصفة رسمية متواطئة، لتعطيل الأحكام الشرعية الإلهية والموضوعية مع كل ما يترتب على هذا التعطيل من أوضاع متردية اقتصادية واجتماعية وتربوية تزعزع حياة الأمة والوطن والإنسان، بل حتى إن اللغة لو حاكمنا روح النص وامتلثنا لما به من مرامي في المقاطع، فإننا نكتشف أنها هي أيضا -هذه اللغة- تُستغل، وتفقد قيمتها وتكون ضارة عقيمة حشوا لا طائل منه، حين يتم التلاعب بها وبشكل رسمي وغفلة أو عجز عامين.
إن الشاعر هو الأبرز كضمير حي وذات نهضوية ليكشف عن كل ذلك ويواجهه. وهنا تطفح وتتشكل جمالية الشعر، وجمالية التعلق والتعالق بأي شاعر حقيقي يقف قبالة أي انتهاك لروح الإنسان وروح المجتمع. وهذا ما يمثله الشاعر (فوزي آل عمّار ) في اعتبارات الشاعرة سواء على الصعيد الفني اللغوي أو الموضوعي.
.
* الذات الشاعرة/ الأنثى:
إن المحفز الأول بلا شك لأي نص هو الذات بمنطلقاتها وبواعثها.
وهنا نعود لنلمح تأثير الشعر على الذات لا سيما حين ترجع الذات لأنثى شاعرة تعتز بأنوثتها وتلتقط كل جمال خارجي من فكر وشعر لتتزين به كذات ووجود وواقع، ينمو بها، وتنمو به. وهذا جانب حساس وخصب وحيوي لأي ذات شاعرة لا سيما إن كانت أنثى.
إن الذات تتوهج وتشع حضورا وقوة وجمالا حين تلم بمثل هذه الالتقاطات الناتجة من نفسها، والناتجة من غيرها. وهذا هو سر تأثر الشاعرة بهذا الشاعر وهو وجه حقيقي يترجم بصدق وأمانة في بوحه عن مدى التناغم والتعاطي المشرق مع أي نص شاعري جميل لهذا الشاعر أو لأي شاعر آخر.
(إلهي .../ هذا الشّاعر بحر/يزخر بالدرّ والمرجان ..../ وأنا امرأة جميلة/ يسكُنني الغرور ! .../ ويزيدُ فَتيله/ عندما أتحلّى بالدرّ والمرجان ... /وأهجعُ/ عندما/
" يعودُ الدّم لسيرته الأولى/ ويُصبح شقائق نعمان ")
*
وأخيرا وليس آخرا، حقا، مازالت الشاعرة زخات الهذيان تتألق بين نص ونص، وترتقي في تجربتها الشعرية وعوالمها، لا تقف عند هم واحد، أو تعيد سيرتها النصية بإسطوانة معادة أو استنساخ لتجارب الآخر بشكل ساذج وآلي تقليدي، وفي كل ذلك نلمس -كقرّاء لها- دلالالة مؤكدة على أنها تمتلك حقا تجربتها الخاصة المثيرة ببهائها الجديرة بالاحترام والتقدير والمتابعة والترجمة لها فنيا ونقديا ولو بإيجاز .
-------متابعة / سهام بن حمودة
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع