الكاتبة ،غفران عزوز
تونس
يحدُث في مواسم اللهفة، عندما يُوليني الحُبّ ظهره ويُعْلِنُ عليّ حِداده، أنْ تتفتّحَ ذكرياتي كالزِئبق النديّ في صَباحَات حُبّكَ المُؤجلّة لتسحب ذاكرتي نحو الأعمق .. أن تُبعثر أوراقي .. تسقط كالنيزك في سماء أفكاري .. تحاصرني في حالة ضوئية استثنائية لتوقظ حواسي ويُعلن فَوْضَاهَا ..
****
موعود بعيونك أنا'' وأستسلم
إنّه القدر يأخذني إليك ..أتَأنّق له بعناية ..أكتحل ..أُلوِّنُ شفاهي .. أتصَالح مع فَسَاتِيني وأنتظرُ منه موعدًا..
قرأتّ مرّة أنّ الأسئلة لا تزيدكَ إلّا توّرطًا عِشقيّا..قرّرتُ حينها أن أُذِيبَ كلّ هذا الجليد من الجنون الذي بيننا وألتقيكَ..
****
هاهو ذاالربيع يُلقي بظِلاله ويستعيد مملكته ، يُزهِرُ ، يتفتّح ،يُكسِر قارورة عِطره فتخفق الأرض زهرًا وبنفسجًا .. في حديقة العُمر لمحتك قادما مِن بَعيد في هزّة أرضيّة مُفاجِئة مأخُوذة بكلّ تفاصيل رجولتك التي لها شئ من الكبرياء و الحُضور الهادئ المُربك بِمحاذاة أنوثتي أغمضت عيني وأنا أستحضر مقطعا لأغنية ل إديت بياف"saistu,ueabse' T''أنت جميل لو تدري"
أكادُ أراكَ بِقامتك الطويلة ولون قميصك الأبيض تقترب شيئا فشيئا تعبر بِخِفة دهاليزي السريّة وتنزل من طوابق حُزني طابِقا طابِقًا وتُمسكني مِن يدي ٠٠
أكادُ أتحسّس ملامح وجهك وأرى وجهي كما لو كنتُ أحدّق في مرآة٠٠
تُحدّثني هذه الأخيرة:" انطلقي يا غبية لا تتردّدي ٠٠ تستحقين أن تكوني سعيدة"
سعيدة ؟؟أحقّا ما تقولين ؟؟
لطالما كانت السعادة في قاموسي شيئَا خُرافيّا ..سُرياليّا..تمّنيتُ أن يَلْمِسَ قلبي مَرّة ولا أخشاه..
لكن هل تصدق نُبُوَّتُكِ بعد هذا العُمر مِن الخيبات التي أحَالَتني فيه إلى مَرتبة امرأة مُفترسة تُبرِزُ مخالِبها كُلّما دنَا مِنْها أحد!...يُطالِعُني في الأثناء مَقطَع أُغنية لِفيروز ''مِن بعد هال عمر كبيرة المزحة هَيْ"
ماذا لو جاءني حُبُّكَ في شكل مَزحة!!وأنّ كُلّ ما كتبتُه لا يَعدُو أن يكونَ حَبل نَجَاةٍ سيتمزّق في أي لحظة ويُلقي بِي في الهاوِية!.
أتمسّكُ بالحبل بكلّ قُوايَ فتجذبني يَداكَ
وقَبل أنْ أتكلّم تُفاجئني نبرة صوتك الحنونة:" كيف أنتِ؟"
أُجِيبُكَ بشئ من الخَجل وأنا أتذّكر ذاك الدُوَار الذي أصَابني مُذْ عَرفتك:" أنا بِخير شُكرًا" ثم أُضيف: "أخيرًا التقينا!"
فتُفاجِئني إجابتك:" مَنْ أخبركِ أنّنا لمْ نلتق مِن قبلْ.. مالغيابُ سوى نِقاط تواصُل ...مِساحات فراغ لِرواية تعمّد كاتِبها تركها لإثارة قارئه...أعلم أنك تُجِيدين هذه اللعبة جيّدا ألستِ كاتبة؟"
بصوت غائب:" بلا أنا كاتبة لكني لا أتعمّد إثارتك أبدًا ..مالفراغ سوى خروج عن النص ..لحظات صمت ..إعادة ترتيب للفوضى التي حلّتْ بي ..ولا أعلمُ أأختزلها في كتاب أم أُلْقِي بها جثة في البحر قد يقرؤها عابرون؟؟"
-"أتعلمين فوضاك تُشبه سمكة متمرّدة تريد الإفلات من قبضة صيّاديها..إلى متى سيستمرّ إنكارك أنك وقعتِ في شراكي وأحببتني لهذا تكتبين لي كتابا لن يقرؤه غيرنا لأنه دستورنا العشقيّ"
أجبتكَ ضاحكة:
-"أتُريدُ أن أمنحك خُلودًا أدبيّا أم عِشقيّا ؟"
ثحدّثي بثقة:
-" أريد أن أكون ذاكرتكِ ...الخُلود لا يُمنح في زمن الثرثرة والبطولات الزائفة... وأنا أريدكِ طفلتي المدلّلة التي لا تكبر أبدًا عديني أنك ستظلين كما عرفتكِ دائماً جميلة ورائعة وشفافة ..عِدِيني أن لا ينتصِر الحزن عليك مهما حصل.. رتِّبي فوضاكِ حبيبتي قد لا تجديني غدا"
أسألك ببُكاء طفل يمسك بتلابيب أمه وهو يستجدي بَقاَئها:
- لِمَا؟؟ ستسافر؟؟
تجيبني بكلمات لم تصِلني منها سِوى... ''رُبّما"..
انتظريني وظلّك صَليّ ...الله كبير*
***
في غمرة ذهولي برحيلك، ضبطت نفسي ذات ليلة متلّبسة بالشوق إليك ..رأيت جنوني بك يشتعل وتخيلت نفسي مجرّة صغيرة تدور حول كوكبك البعيد تُتابع تفاصيلك و تقرأ لك رسائلي ..بدموع امرأة مهزومة.. عُمْر من الخيبات والإنتظارات أنَا..
"تذكر شو كنت تئلي مهما يصير انتظريني وظلك صلّي الله كبير"تشدُو فيروز بصوتها الملائكي في أرجاء غرفتي الباردة
يطالعني في الأثناء ملامح وجهك الموّدعة وأرفض التصديق أنك رحلت!
مهلا أيّها القدر مُدّ جسورك إلى قلبي وارمِ من قبضتك خناجر فراقك فقد أعياني الهجر واستوطنت بشراييني أحزاني أحتاجُ لِجُرعة من الفرح ليس أكثر..
****
''عزيزي القوس تنتظرك مفاجأة سعيدة هذا اليوم فكن مستعدا''
أقفلت الراديو بعد سماعي لهذه البُشرى الصباحيّة الرائعة وانتابني يقين أنّ الكواكب والنجوم لايُمكن لها أن تُخطئ في مسارها نحوي وأن السعادة عادة ما تأتي مُتأخرة ..هي تحتاج فقط لِسجّاد أحمر فاخر وبعض الأمنيات!
لم تتأخَّر سعادتي كثيرا وإذا بٍأزهار التوليب تطرُق بابي بشئ من الخجلِ وتنبؤني بعودتكَ التي طالما تمنيّتها في سِريّ
لا أدري كيف تسلّمتُ المغلّف من ساعي البريد وقرأتُ كلماتِك بشغف:''اشتقت لكِ يا حُلوتي، انتظِريني في مقهى
هذا المساء لا تتأخري سأنتظرك'' ‘’le beau rivage’’
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع