الطّوفان يقترب من أرضنا،لَمَحَتْهُ "زرقاء اليمامة" منذ قرون ونبّهتنا:"لا تأمنوا هؤلاء البشر،إنّهم يملؤون السّدود لِيُغْرِقُوكُمْ بمياهما يوما"....كذّب الجميع تكهّناتها،..أَقْصَوْهَا،..قالوا:"إنّ الشّيطان راودها عن نفسها فعلّمها السّحر والشّعوذة ولقّنها كيف تُعَكّر مزاجهم بالأكاذيب،...فَأُُولِِي الأمر منّا يملؤون السّدود حتّى لا يُداهمنا الظمأ فنموت جميعا"... -قُلْتُ لقهوتي:"ربّما صَدَقَتْ مزاعمهم"... -تَدَخَّلَتْ نفسي لِتُرْبِكَنِي كعادتها:"لقد نَالَكِ بعض من تفاهة البشر ،...القدماء لا يكذبون،لقد صَدَقَتْ تكهّنات"زرقاء اليمامة" منذ قرون فَلِمَ نُكذّبها اليوم؟...هَلّا بدأنا التّفكير في صنع سفينة تُنقذنا من طوفان يسير ببطء نحونا،...إنّه طوفان مُدَنَّسٌ،إنّه حضيض يُحاول ابتلاعنا،وليس لنا مفرّ،فقد تَحَالَفَتْ معه الجبال والهضاب والسّهول،ووَهَبَتْهُ البحار والوديان والجداول والعيون مياهها،لقد خاننا المطر وتركنا عطشى فاٌنقطع عن النّزول مُكتفيا بنثر حبّاته في السّدود،تلك السّدود اللّعينة التي مااٌنفكّّتْ تغدر بنا في كلّ مرّة وتفتح أبوابها ليزورنا الموت لحظات ويرحل بعد أن يُخِيفَنَا مُلَمِِّحًا بأنّه خلاصنا الوحيد"... عَزَمْتُ ونفسي على سرقة سفينة من موانئنا القديمة فهي كثيرة ولن يتفطّن لنا أحد،سَأَرْشُو بعض المسؤولين الذين تعوّدوا على غضّ البصر عن مئات المُهاجرين غير الشّرعيين بين الحين والآخر ،... -سَأَلَتْنِي قهوتي:"لكن من سنأخذ معنا؟".. -أجبتها:"لن أفعل كما وقع في سفينة نوح عليه السلام حين أنقذ اثنين من كلّ الحيوان ومجموعة من البشر".. -قالت قهوتي مُستغربة:"أَتَنْوِينَ تحدّيَ القدر؟أَلَنْ نأخذ معنا من حملتهم تلك السّفينة؟"... -أَخْبَرْتُهَا بكلّ برود:"ذاك زمانهم،..نعم سنأخذ معنا اثنين من كلّ حيوان لكنّني سأستثني بعض البشر،...لن يرحل معنا إلا من اختار أن يكون إنسانا،من لم يَخُنْ هذه الأرض،من لم يستبح لحم أخيه،من لم يسرق قوت البشر،من اختار أن لا يُزيّف ما كتبه القدر من خير لهذه الأرض وأهلها...سنرحل يا قهوتي مع من يُحبّون الخير لغيرهم كما يُحبّونه لأنفسهم،... سَنَتَّجِهُ إلى جزيرة أخرى نكون أوّل سُكّانها لنبني حياة جديدة،حياة بعيدة عن ناس اختاروا الحضيض فَغَمَرَهُمْ طوفان الخضوع والذّلّ والهزيمة،طوفان اختارهم دون غيرهم من البشر،سَنَزْرَعُ هناك أشجار الكرامة لِيَأْكُلَ أبناؤنا من ثمارنا،. وسوف نعود يوما إلى أرضنا غُزَاةً لنُطهّرها من مُستنقعات النّجاسة التي خلّفها ذاك الطّوفان،طوفان الحضيض الذي مرّ مِنْ أرضنا،وأخذ معه سَقْطَ البَشَرِ".... ________ ليلى كافي/ تونس
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع