ذات مساء ربيعي رائق، جلست في حديقة منزلي، أتفيأ ظلال أشجارها الوارفة، وأتضوع عطر ورودها العبقة،،،ينفذ شميمها الحلو الى أنفي، فأنتشي. وتنفتح شهيتي للكتابة،،،فتتدفق جداول الكلمات، بعد أن دغدغت الروائح العطرة ثنايا حروفي، سقيتها حبر يراعي، فأينعت وأثمرت: مقالا بديعا عن "الاستيتيقا" كان مقالا رائعا، لم تجد قريحتي بمثله منذ مدة، أجدبت فيها مخيلتي،، و نضب معينها أياما. حدثت نفسي في خيلاء:
-ليس كل من يكتب، يعد كاتبا،،، فالكتابة عشق وفن
وجنون....هوس و إجادة: قبس من نور يقذف في الصدر،، قد يغادرك أحيانا فتلفى نفسك محبطا: هجرك ألقك و سحرك،، وفجأة وأنت تقترب من اليأس يتدفق زبدها ،، فتفيض المعاني و تهمي الكلمات كماء زلال،،، متدفقة من اليراع سلسة، عذبة.
آه ما أجمل أن تكون كاتبا!! تجد لنفسك عالما بديلا تنسجه في مخيلتك،، وتقبع في شرنقتك بعيدا عن السخف و الرداءة...
راودتني هذه الأفكار وأنا أقرأ نصي متمعنة، مخافة تسلل بعض الهفوات: معكرة صفوه و مفسدة بيانه الفريد.
مشاعر متداخلة انتابتني: اعتزاز و امتعاض: معتزة بقلمي واثقة من قدراتي،، نافرة من رداءة وقبح استشريا...
لم يسعفني الصبر، تملكتني اللجاجة،،،فسرت إلى مقر الجريدة،،و قصدت مكتب رئيس التحرير مباشرة. قلت في نفسي :
-يجب أن يكون مقالي جاهزا للطبع.
ما إن رآني حتى انفرجت أساريره،، وخاطبني قائلا:
-وجهك البشوش يوحي بالخير،،، هل تفجرت قريحتك المتمنعة أحيانا، فقطعت إجازتك و استأنفت العمل.
أجبته واثقة:
كالعادة فراستك لا تخطىء أبدا،،،أخصبت المخيلة،، فطرحت خيرا عميما ضمته مقالتي هذه.
قلت ذلك ومددته بمسودة المقالة،،،جلس إلى مكتبه ملتهما كلماتها بنهم عجيب،،، وقال:
أبدعت، دام مدادك، و ما انساب به بنانك الساحر، راق لي كثيرا ماكتبت، فعلا إن من البيان لسحرا
شعرت بالاعتزاز وأنا أسمع ثناءه على مقالي،،، و ألفيت نفسي أحيا في ألفاف نشوتي الغامرة،،، أكيد سيحظى نصي بالنشر في الصفحات الأدبية و سيلاقي نجاحا منقطع النظير،،
أضاف رئيس التحرير:
-لكن هذا الكلام على بهائه و سحره لا يصلح للنشر في مجلتنا الغراء،، وإن نشر فلن يقرأه أحد.
لم لم تكتبي عن آخر صيحات الموضة والأزياء أو عن المطرب "ماجد سعيد" الذي أحدث ضجة صاحب أغنية:
ليه عملتيلي بلوك
قبل ماتشوفي النيو لوك
وراح يدندن كلمات الأغنية الحدث، ورحت أدندن معه لحن نفس الأغنية، حفظتها من كثرة بثها، فتمادى في الغناء منتشيا، وقد هزه النصر،. وأطربه الظفر..وفي غمرة احتفاله بانتصاره المزعوم صرخت بصوت عال وأنا أضرب على مكتبه بيدي:
كفى! أنا مستقيلة من العمل.
غادرت المكتب وانا أدندن اللحن اللعين
--------
زينب بوخريص
تونس
22/8/2019
متابعة / سهام بن حمودة
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع