لم تستعص عليه حالة سابقة كهذه الحالة، فقد أعيته كلّ التّشاخيص ، وزادته غموضا كل التحاليل التّي أجرتها، هو طبيب ماهر عرف بكفاءته العالية ومشهود له بقدرته على علاج كلّ من ارتاد عيادته من الزبائن مهما كانت حالته المرضية متقدّمة...لكنّه معها فقد ظلّ فاغر الفاه مكتوف اليدين مطأطأ الرّأس وهو يخاطبها قائلا:
لقد استفحل بك وسكن كل نبض من عروقك..لم تسلم ذرة واحدة من جسدك منه فقد سكن كلّك واستوطن كلّ تجاويف روحك...ما يمكنني أن أطمئنك به فقط هو أنّه ورم حميد سيتعايش معك بقيّة سنين عمرك ولا يمكننا استئصاله مهما أجرينا من العمليّات الجراحيّة أو حاولنا تبديده بالأدوية الناجعة...فقط سيؤلمك... أعلم أنه سيكون وجعه قاس جدّا فليس من السّهل أن تنبت في جسدك بذرة غريبة تقتات من دمك ولحمك وتتنفس هواءك وتستحوذ على كل فراغ داخلك وتسيطر على كلّ عقلك فتجعله سبيّا لديها تتحكم في انفعالاته وقراراته...
كما ردّد الطبيب بكلّ ثقة ...ورغم كل هذا الألم سأهنّئك سيّدتي فأنت امرأة قويّة جدّا رغم ما تبدينه من ضعف ووهن...لم تصادفني امرأة قطّ تحمل هذا الإصرار وكلّ هذه العزيمة ...إيمانك القوي جعلك تحاولين وتحاولين ...لم تستسلمي أبدا...منحت نفسك كلّ فرص النجاة...وهبت فوق ما تهب أيّ أنثى من الصبر والتّحمّل...لقد استوفيت كل طاقتك في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه منك ومنه...
استدارت متّجهة نحو باب العيادة وهمّت بفتح الباب لتخرج ، لكنّه ناداها:
- سيّدتي....
- نعم دكتور...
- يا له من أحمق...كيف له أن يتجاهل كل هذا الحب...
- ليس بقدر حمقي أنا ...وداعا دكتور.
جفّفت دمعة انفلتت عنوة من بين أهدابها...وأطلقت آهة طويلة ...و غادرت...
نجوى يعقوبي ( خطايا القدر )
-----
متابعة / سهام بن حمودة
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع