(السّلطانة أمّ الضّفائر)
بلغني في ما بلغني أنّ امرأة ذات بهاء خلقيّ وعيون دامعة حُسنًا وشعر تهوى خصلاته نسائمُ البحر وجدت نفسها ذات صدفة في بهو السّلطان فاستقبلتها أعين العمّال الفارغة فلقيت بقلبها هوى لهذا الجاه الطّارئ وعلقت نفسها بما بُسط أمام ناظريها من ترف وعزّ ما حلمت به يومًا فلبست لبوس أميرة وقد كانت بالأمس القريب بنت شظف وفاقة أبوها فلاّح مزواج كلّما هطل مطرٌ لمعت بذهنه بوارق التّجدّد ولا سبيل له إلى ذلك إلاّ أن يقود إلى زريبته ضحيّة جديدة يزفّها إليه أبواها طمعا في بعض الخير وهل تذر أيادي عبّاس الماكرة خيرًا لغيره؟.
كانت أمّ الجدائل ثالث بناته من زيجاته المتعاقبة كان يحتال على أيّامه بلعب الورق واقتناص زوجات أبكار وغطيط لا حدود له إلا جوع يُوقظه كغول هائج مزمجر فتتوارى الزّوجات خلف الأستار كي لا يصيبهنّ من غضبته الأولى مكروه يمضي رأسا إلى مطبخهنّ الموحّد يملأ كرشه بما اجتهدت النّساء في توفيره وإعداده.. فعبّاس هذا مثله كمثل زوج كبش ينطح نعاجه حتى يعترفن له بالقوامة وينهضن برعاية مرعاه حتى يُفيق فيأتي على العلف كلّ العلف وتكون منه ذكورةٌ عنيفة تعجّل بميلاد خرافه منهنّ ليكبر القطيع الضّحية وكلّما كثر تعداده هنأ الكبش أكثر فأكثر..
وهاهي أمّ الضّفائر تجد الفرصة موائمة لتُغادر أيّام ضَنَكها بالقطيع إلى غير رجعة. يُساعدها في ذلك خدّ أسيلٌ ولوعٌ تملك به أعطاف الرّجال فتلين شدّتهم وتُبعثر هيبتهم أمام سلطان جمالها غير الشّفيق أمّا النّسوة فسُرعان ما يُدنّ لها بالرّيادة بعد أن تُحسن تأليبهنّ على رداءة وضعهنّ بلسان طيّع وتودّد تُحسن أحابيلهُ وحدها بالسّليقة فهي ما تعلّمته من أحد.
تتابعت أيّام نعمة الوافدة على البلاط حتى خبرت مفاتيح غُرَفه وأغلاقَ قُلوب أهله فلهجت بحُسنها الألسنُ ولقي حُسنُ تدبيرها كلّ تبجيل واعتراف إلى أن بلغ أمرها السّلطان الهرمَ فاستملحها واستطابَ مُجالستها وأعجب بفصاحتها ولذيذ ملاوعتها فراودها عن نفسها بالمال فتمنّعت وبذل لها نفيس الهدايا فازدادت شرودا وظلّ ذكرها يُنشيه حتى أنّه لم يعد يقوى على فراقها فقرّبها من مجلسه وطيّر رأس وزيره قربانا لها لتحلّ هي محلّه وصارت تضارعه في دكّة السّلطان ولها ما له من الأدعية وفروض الولاء. وتدرّبت على الفروسية والمبارزة حتى أمست تُنكّل بأعتى جُند المملكة وفُتحت شهيتها للحكم فزارت الممالك المجاورة وبُذلت لها النّفائس خيلا وزمرّدا ويواقيت وخُلعت لمرآها التّيجان وازدادت بُهرة جمالها وافتتنت بها القلوب وباتت مُعنّاة بولهها فما زادها ذلك إلا كِبرا وتيهًا وانطفأت بقلبها عينُ الرّحمة .. حتى أنّها جعلت أوقات فراغها للتلذّذ بمصارعة الضّواري مساجين القصر وإن حلّ بها قلق تلهّت بقتل نفر من عبيدها وظلّت الجواري بها مغتبطات والقينات يردّدن لها الألحان المطربة فأعلت مقام النّساء في القيادة فصرن يُدرن دواليب الحكم والسُلطانُ فاغر فاه أمام كلّ ما يحدث حتّى عنّ للرّعية المعجبة بشدّتها أن تتجمّع حول القصر مطالبةً بتنحية الملك وتنصيبها ملكة وفي اليوم الثّالث أقتيد الملك إلى مقصلة السّاحة العامة ليُعدم ويُعدم معه الخمول والتّخاذل وتنصّب سيّدة الطّموح والاستقامة والعمل ملكةً عزيزةً بعد أن خشيتها الأنفس المارقة فانضبطت والفاسدون باتوا خيّري المملكة وازدهرت شؤون المُلك على أيادي السيّدات الجادّات وعمّ النّعيم كلّ المملكةَ السّعيدةَ ...
كانت أمّ الجدائل ثالث بناته من زيجاته المتعاقبة كان يحتال على أيّامه بلعب الورق واقتناص زوجات أبكار وغطيط لا حدود له إلا جوع يُوقظه كغول هائج مزمجر فتتوارى الزّوجات خلف الأستار كي لا يصيبهنّ من غضبته الأولى مكروه يمضي رأسا إلى مطبخهنّ الموحّد يملأ كرشه بما اجتهدت النّساء في توفيره وإعداده.. فعبّاس هذا مثله كمثل زوج كبش ينطح نعاجه حتى يعترفن له بالقوامة وينهضن برعاية مرعاه حتى يُفيق فيأتي على العلف كلّ العلف وتكون منه ذكورةٌ عنيفة تعجّل بميلاد خرافه منهنّ ليكبر القطيع الضّحية وكلّما كثر تعداده هنأ الكبش أكثر فأكثر..
وهاهي أمّ الضّفائر تجد الفرصة موائمة لتُغادر أيّام ضَنَكها بالقطيع إلى غير رجعة. يُساعدها في ذلك خدّ أسيلٌ ولوعٌ تملك به أعطاف الرّجال فتلين شدّتهم وتُبعثر هيبتهم أمام سلطان جمالها غير الشّفيق أمّا النّسوة فسُرعان ما يُدنّ لها بالرّيادة بعد أن تُحسن تأليبهنّ على رداءة وضعهنّ بلسان طيّع وتودّد تُحسن أحابيلهُ وحدها بالسّليقة فهي ما تعلّمته من أحد.
تتابعت أيّام نعمة الوافدة على البلاط حتى خبرت مفاتيح غُرَفه وأغلاقَ قُلوب أهله فلهجت بحُسنها الألسنُ ولقي حُسنُ تدبيرها كلّ تبجيل واعتراف إلى أن بلغ أمرها السّلطان الهرمَ فاستملحها واستطابَ مُجالستها وأعجب بفصاحتها ولذيذ ملاوعتها فراودها عن نفسها بالمال فتمنّعت وبذل لها نفيس الهدايا فازدادت شرودا وظلّ ذكرها يُنشيه حتى أنّه لم يعد يقوى على فراقها فقرّبها من مجلسه وطيّر رأس وزيره قربانا لها لتحلّ هي محلّه وصارت تضارعه في دكّة السّلطان ولها ما له من الأدعية وفروض الولاء. وتدرّبت على الفروسية والمبارزة حتى أمست تُنكّل بأعتى جُند المملكة وفُتحت شهيتها للحكم فزارت الممالك المجاورة وبُذلت لها النّفائس خيلا وزمرّدا ويواقيت وخُلعت لمرآها التّيجان وازدادت بُهرة جمالها وافتتنت بها القلوب وباتت مُعنّاة بولهها فما زادها ذلك إلا كِبرا وتيهًا وانطفأت بقلبها عينُ الرّحمة .. حتى أنّها جعلت أوقات فراغها للتلذّذ بمصارعة الضّواري مساجين القصر وإن حلّ بها قلق تلهّت بقتل نفر من عبيدها وظلّت الجواري بها مغتبطات والقينات يردّدن لها الألحان المطربة فأعلت مقام النّساء في القيادة فصرن يُدرن دواليب الحكم والسُلطانُ فاغر فاه أمام كلّ ما يحدث حتّى عنّ للرّعية المعجبة بشدّتها أن تتجمّع حول القصر مطالبةً بتنحية الملك وتنصيبها ملكة وفي اليوم الثّالث أقتيد الملك إلى مقصلة السّاحة العامة ليُعدم ويُعدم معه الخمول والتّخاذل وتنصّب سيّدة الطّموح والاستقامة والعمل ملكةً عزيزةً بعد أن خشيتها الأنفس المارقة فانضبطت والفاسدون باتوا خيّري المملكة وازدهرت شؤون المُلك على أيادي السيّدات الجادّات وعمّ النّعيم كلّ المملكةَ السّعيدةَ ...
--------
متابعة / سهام بن حمودة
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع