من اين ندخل الجنة...؟
الدكتورة / هالة الهذيلي بن حمودة
يعيش الفرد لحظات تأمل يومي واستباق ضروري لاستطلاع ما يزهر به القدر، وهذا امر شرعي، يمارسه افراد الشعب، أبناء الوطن، بتونس الخضراء. فكيف نغني "جنة والله جنة تونس يا وطنا"؟ كيف ندندن اللحن وأبناء الوطن ما زالوا بعد لم يستبينوا كنه الكلمات، كلمات معنى الوطن. لقد امتثلت الآمال الراهنة امام وطن من الألوان بابا من الجنة، جنة ما وراء الضفة المقابلة من الوطن، فكيف يموت أبناء الوطن في عمق البحر وطريق الجنة لم يعبّد بعد؟
امام ما نعيشه من احداث الموت والغرق وضحايا الهجرة الغير شرعية في ارجاء سواحل الوطن، فان السؤال المخيف يترصد بنا حتى لا نسأل عن كيفية العيش في الوطن؟ ولماذا نغادر الوطن؟ وكيف نحب ذواتنا لنرضى بالوطن؟ أسئلة لا تحصى امام عدد الفزع والموت والفاجعة التي تحسب على الوطن. واي وطن نروم في يوم لا تزهر فيه أحلام الشعب الذي تولدت اماله من رحم الوطن؟لقد تعددت اشكال الهجرة والتفكير في الهجرة والبحث عن مواراة الم الهجرة، واختلفت شرعيتها ولا شرعيتها، وأصبح الموت مشرّعا مقابل اللا بقاء في الوطن. فإلى هذا الحدّ نهجر الوطن؟ لنرحل في غياهب الجبّ والفقد واللا امل؟
أقيمت الومضات التحسيسية، وتكاثرت العمليات التوعوية، وقام الفنان بحزم أفكاره ونوياه واحاسيسه كلها، ليقول كلمة الوطن، ولكي يشعر أبناء الوطن بان الهجرة اللاشرعية بلا وطن. ومن خلال المشروع الفني "الحرقة" الذي تبنته جمعية احباء الفنون وبرج القلال بالتعاون مع جمعية تفنن، تعددت اشكال الاعمال الفنية التي صاغها الفنانون بكل ما يحملونه من حب الوطن. فأخبر المبدع من تونس شباب تونس بان الحرقة حرقة واحتراق وحماقة في الاعتقاد، وأمضى كل من جهته ميثاق التحسيس للبقاء، البقاء في الوطن. وتعددت أسماء المشاركين في حملة الفن كلغة التشريك في حب الوطن، فكان كل من جلال عمارة وهدى الخراط والفة دمق ومحمد سحنون ونجوى عبد المقصود وهالة الهذيلي وسميرة الوريمي وجملة من الطلبة المرسمين بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة و منهم كوثر بن عمر، محمد بومعيزة، سهير عياد، درة السمعي ،أحلام بزي، لؤى عزيز، امل الرويسي، يسرى الطرابلسي رحاب الشابي، سارة نقطي، و مروى رزقي، من بين المشاركين في الدورة الأخيرة من المشروع التشكيلي والتنصيبات العائمة بشط القراقنة بصفاقس. فكيف نرسم الطريق الى الجنة جنة في الوطن؟
وقف باب الجنة عاليا بالق لونه الذهبي مرفرفا فوق السجاد الاحمر، الهائم في البحر بدون بداية ولا نهاية، ليكون الباب منفذا ولا نافذا، ويكون الامل جرعة ولا واقعا. ويقع السؤال الأكبر كيف ندخل الجنة؟ اين يقع باب الجنة؟ وكيف استوعب أبناء الوطن ان قولة "نحلك في الجنة ذراع" ليست سوى اذرعة من الوهم والخيال؟ لماذا يموت شباب الوطن الي حد ّاليوم على ضفاف بحر الوهم وشارع الحب وامل الالق في شعاع الذهب والحياة وإيجاد فرصة العمل؟
لماذا نفكر في هجرة الوطن؟ سؤال لا يفتا ينخر فكري، لكي اوجد له لا إجابة عن مدى حب الوطن في شوارع قلوب أبناء الوطن. الهجرة الشرعية او اللاشرعية، هي سيان هجرة من الوطن. فإلى هذا الحدّ مرض الامل، والى هذا الحدّ يرسم الفنان في ظلمة الامل لونا من الامل، في صورة ذكية ترصف على ذاكرة الهاتف المحمول، حمّال الالق بصورة في شوارع بلاد الترف وجنة الأرض والغربة المعشوقة، بدل عشق الوطن؟
فمن السبب في هذا الاهتزاز في حب الوطن؟
اهو الدينار المصاب بالحمى ونزلات البرد فنزل ولم يزل؟ ام هو فقد تذكرة الخشوع في محراب عمل كريم يشفي سنوات التعب وسهر الليل ورتبة العلم والتخرج البرّاق، تخرج ودكتور بلا عمل؟ فماذا يفعل شباب الوطن؟ وكيف ينسي الحرّاق كل هذا الحب: حب الفنان للوطن وحب العالم للوطن وحب الشاعر للوطن وحب المؤذن للوطن وحب المتسوّل للوطن وحب النجار للوطن وحب الراقصة للوطن وحب المتحيل للوطن وحب الطبيب للوطن... فمن اين يشتري دواء اللاّحب للوطن؟ واي جرعة يحتسيها الفرد في هذا الوطن؟ فهل نصوم عن حب لون الوطن؟
الوطن مطر والمطر سيل جارف يغسل ذنوب من فقد في بحر الوطن، وعلى أمتار من ضفاف الوطن الاخر المحتمل. ويحوم المثقف في حواشي بيته وخارجها وينزل من علياه ولا يسكن الا بواطن الوطن، ليشرّع ثلة المشاركين في مشروع الحرقة لتكديس طاقاتهم المتوهجة في اعمال مشبّعة بدفق حب الوطن. وبين كمّ الإشكاليات المفاهيمية في اعمال التجهيز في الفراغ، ترصف الوح من الكتابات العائمة والملونة والرسائل المباشرة وبين الواح التصوير السابحة بين وجه وقفا لرسومات شخوص تتراص اجسامهم وتتلون كتلهم مرة بالألوان ومرة بالأبيض ولطخات الأسود والرمادي، وبين شاشات التلفاز المتشابكة المعلّقة هاهنا في عمق البحر وتحت غطاء السماء ليكون البث مباشرا، من واقع ذبذبات إيجاد الامل خارج رحلة الموت المنتظر، توجد الرحلة كاستمرار في حلبة من الغموض والانتشاء بعمق خوض تجربة الإبحار في الزمن. ومن هنا تحتمل الصورة الفنية دلالات مختلفة، وجماليات متعددة يسوقها الفنان بصيغه الرمزية وتقنياته التعبيرية، ليكون في تنصيبة المجسّم الكبير لسمكة القرش وما حفر في طياتها من هنا مصنع تكرير الأموات وعبارة الراعي الرسمي لحرق قلب الام، من بين الاعمال الصادمة المربكة والنضاخة بالسؤال النابض: اين يكمن فتنة باب الاحتراق واي سبيل نروم للمرور الى صراط الجنة؟ جنة الوطن؟
هاهنا، باب الجنة يصاغ شامخا، ينير التنصيبات المجاورة، يرفرف فوقه الأحمر، وينسدل تحته السجاد الاحمر، مرفقا بحطام الكراسي اللا متوازنة وتخرج خطوات الاقدام متخفية من وراء الباب، ليبقى الأثر للحذاء، حذاء الامل الذهبي ليجد نفسه في عرض البحر ... فأي خطوات تفصلنا عن جنتنا الفنية وكيف يستوعب الحرّاق لغتنا التعبيرية والى أي مدى يعفينا الوطن من احتمالات الموت الفجئية لشباب من وطن يحلم بالمشي فوق سجاد الشهرة الأحمر، مرفوق بصكّ الدخول الى جنّة تونسية ، يقطنها بكل شرعية، بدل الجنّة في البندقية...
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع