لن أعود إلى ذاكرتي...
.... حدثتني حين جالستها وهي في شرود عن عالمنا فقالت:" نظراتك ترمقني مثلهم جميعا فأنتم تتساءلون عما جرى لأنتبذ هذا الركن من مدينتكم وأقضي اليوم كاملا أتأمل عالما خارج أذهانكم ... سأعلمك بعضا عني ولا تعودي لإزعاجي ثانية. كنت متألقة في شتى المجالات ويحسدني الكثير على ذلك وحين وعيت الحياة ونضج مني الفكر قليلا جذبني تيار اليسار بما فيه من غوص في الحياة العامة ورفض للمواريث عن دراية فاعتنقت دين الحرية وما ابتعدت عن ديني أبدا . مارست الفكر والسياسة وتمردت على الكثير من القيود وحين أحببت تزوجت من أحب وضربت عرض الحائط بما يشترطونه حين يزوجون فتياتهم ورفضت الذهب والمهر وما كنت أعلم أني أدق أول مسمار في نعشي... أتعلمين لماذا ؟ لأن الرجال عندنا يتباهون بالمبادئ وعند الجد يلبسون جبة الأجداد ومن فرطت في مهرها فقد دخلت عالم الجواري طواعية وفي كل موعد يذكرونها ببخس ثمنها... تخطيت ذلك ومن الرحم بزينة الحياة الدنيا و أقامت الروح احتفاليات عديدة وراهن الجسد على ثمار المستقبل و عبرت بهم إلى شاطئ السلام ولكن الدنيا راوغتني فألهتهم عني بمشاغلها ومشاكلها و أنا ألتمس لهم في كل حين عذرا فلا أظنهم نسوا أعطياتي في سبيلهم أما من أحببت فقد مل وجهي الرمادي و عيني الذابلتين و تعرف ضمن فعاليات حزبه على أميرة شقراء فهجرني وأنا اليوم يخونني الجسد أيضا فأقف في مفترق رهيب كصخرة مسننة كلما خطوت فوقها نلت جراحها... سأعلمك سرا ،البارحة كلمت الله...نعم كلمته حين رفع الآذان من صومعة الزاوية المقابلة قلت له ربي إني أحبك فلا تدعني لنفسي.. ربي أنت العفو فاعف عني وقلت أيضا تخاريفا أخرى لا يفهمها سواه جل جلاله وسألته مناجية هل انتهت ذنوبي و أخطائي أم مازال الخلاص منها بعيدا .. يا ابنتي أعرف أنك تقولين في سرك "لم يقولون عنها مجنونة ؟" لك الحق في حيرتك ولكني روح مغتصبة عشقني الوجع وراودني على نفسي كثيرا وحين تمنعت ورفضت اغتصبني وصيرني عاهرته ينكحني متى شاء و كيفما شاء فخنته وتزوجت الجنون ولن أعود إلى ذاكرتي..."
كحلاء رحال (نص من سلسلة: أشواك ناعمة )
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع