الكبّارة : "هنّاكم الرّوى"
(النِّفْقه .. عرس المطر)
...رائعة الأمطار هناك بل لعلّها لا تشبه أجواءها بأيّ مكان آخر ..فهي عادةً ما تكون فجئيّة .. إذ اعتاد أهل بلدتي عدم تصديق الغيمات ولا كثافة السّحب ولا الرّعود المزمجرة ولا البروق اللامعة فهي ليست بالضّرورة أمارات على هطول الأمطار ولا بِشر الوجوه. فقد يكون لنا من لوازم المطر الكثير وقد ترافقه رياح صرصر أو نسائم تبشّر بعطر المطر ولا مطر لتنقشع السّماء بعد زمن ولا تدرّ شيئا ممّا وعدت به ويكون الصّحو وقد عمّق كدر الفلاّح بفقدان الأمل وانسداد الأفق.. وقد يكون مجيئها سلسًا غير منتظر فينزل القطر مدرارا وتتفتّح مسامّ جلد الأرض ترتوي بعد طول انحباس وماهي إلا هنيهة حتى تشرع الأمواه في تجمّع القلت قرب القلت وتنشأ السّيول في الانتظام في جعافر وجداول و"جراويل" و"نفيض" لتصبّ كلّها بأودية هدّارة تجرّ كلّ ما في سبيلها من نبت وثمر ودواب ضعيفة قليلة الحيلة ..
قد تستمرّ الأمطار بالهطول لبضع يوم أو أكثر وقد تبلغ الأسبوع وأكثر وألسنة النّاس هناك لا تكفّ عن الحوقلة والبسملة والتّكبير وتنتشي بأفئدتهم الأماني رغم أن الأمطار تضيّق عليهم حياتهم وحياة دوابّهم وتتحلّل أسقف الدّور والأكواخ لتقطر وتسيل على الجدران خيوط الماء فتتبلّل أغلب الملابس والأخفاف والأحذية _إن وُجدت_ والأغطية وسلالم الأمل ما انفكّت تطاول عنان السّماء الحنون الرّحيمة..
ويتحيّن الرّجال برهة للصّحو يلتحقون فيها بدكّان الدّوزي أو حانوت الشيخ عثمان فترى مختلف الألقاب بالحلقة الواحدة ولا فقير في المطر ولابخيل.. سينحرون العقائر امتنانا لله وسعادة بالأنواء وإكراما لأمنياتهم بإسعاد الزّوجات والذّراري والفقراء والأيتام فلكلّ بيت "حصّته" من اللّحم والفرح .. ما أيسر الاجتماع والاجماع في أيّام المطر فالكلّ مضياف كريم .. و"الكلمة" هي نقد الجميع ومالهم منشود .. يُتّفق على الشّاة العقيرة وثمنها وعدد من يقتسمونها بالتّساوي فلكلّ قطعة لحم صنو لها في كامل الحصص والحسب بما في ذلك الكبد والرّئة والأمعاء.. ثمّ تُطوى أوراق بأسماء المقتسمين وتوزّع على أكداس اللّحم وقد يقسم الكدس الواحد قسمين للأسر القليلة العدد او القليلة الحيلة ..والعيون باسمة والوجوه مستبشرة والألسنة مهلّلة ب:"هنّاكم الرّوى..."
------------------------------
عمار التيمومير 27_03_2019
عمار التيمومير 27_03_2019
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع