الْحُرُوفُ الَّتِي نَشَأَتْ
حينَ اختبار الإنشاء يتغيّر مشهد الفصل إلّا قليلا؛ يتراجع بعض النّجباء إلى المقاعد الوسطى أو الخلفيّة ويهجر بعض التّلاميذ مقاعدهم الرّكينة آخر القاعة إلى صدارة المجلس يتّخذون جلساء غير الّذين ألفوا وعبثا يحاول هؤلاء إخفاء غربتهم وأولئك إخفاء حرجهم ونظرةُ أستاذهم أبلغ من عبارة وأشدُّ.
اطمأن تلاميذه في مجالسهم أزواجا متآلفين لقديم صحبة أو لواجب النّصرة والرّفادة الّذي وَهَمُوا، وجرّدت أقلام ومدّت قراطيسُ. وتشوّفت عيون وقلوب تستطلع " الموضوع " حملته إليهم قصاصات تلقّفتها أيد عجلى. وكانت عيون دونها تشوّفا وأيد.
لم تلبث وشوشات وغمزات وحركات أن سكنت وقد طالعوا غيبَ ما وجسوا، وآن لأقلامهم الصّغيرة أن تَصِرّ ولأوراقهم الحالمة أن تَحُفَّ، ولساعِ الدّرس أن تُستصفَى فوائدُها، ولأوقات الجدّ أن تُجتنى ثمرتُها.
توسّط القاعةَ ينظر في عينيّ كلّ واحد وواحدة منهم أبوابا مشرعة إلى نفوسهم؛ يقرأ خلجاتِهم أدقَّها: ستّة أسابيع من الصّحبة، والبنوّة، ومن درس كانوا يصوغون مفرداته مرسلة أو منجّمة جمّلتها ألحانٌ قوّمها وأسْطار تعهّدها، وحيواتٌ بثّها في الحبر والطّبشور كانت كافية ليعرفَ لكلٍّ حاجةً سعى فيها، وليضع كلّا موضعه من مرقاة يريد بلوغها.
كان يبحث في عيونهم عن وميض عزم درّبهم عليه، وعن وهج إيمان بالقدرة غذّاهم إيّاه، وعن بريق أمل زرعه في نفوسهم...
كان يستمرئ سعادة غامرة وهو يشهد طقوسا في الكتابة يؤدّيها تلامذته منقطعين إليها منشغلين بها: هذه فتيحةُ تسارع إلى كتابة شواهدَ خوفَ نسيانها تَهْدِيها بعد حين إلى مسالك في النّظر قبل أن تتفحّص نصّ الموضوع، ولا يمنعها تفحّصها ذاك أن تلبّيَ طلبَ صديقتها تسألها قلما أو مسطرة...، وهذا مُحسن يُعْلِمُ بعض المفردات يَميزُها أو يخطّ أسفلها ثمّ ما يلبث أن يدوّنها على مُسوَّدَته ويمضي يكدّ خاطره في نشر تضاعيفها وهو بين تقطيب وتهلّل، وهذا عزّ الدّين ينظر كالشّارد في سماء الفصل يهزّ بيده بين الفينة والأخرى حتّى إذا أومضت الفكرة في عقله ضرب بجُمع يده طرف المقعد ظفرا وأودعها كتابه الّذي يكتب، ...
وكلّ امتاز في مقامه ذاك بحال اعترته.
وتفقّد تلاميذه الّذين استبدلوا بمقاعدهم الأليفة غيرها خوفا وطمعا فإذا بمن استنصروهم قد شُغِلَوا عنهم. ولعلّهم وجدوا – كما وجدوا- في الامتحان مُعينا على شوق يشتاقونه، وسببا إلى حياة يحيَوْنها، ومجلى لمهارة حاولوها صحبة أستاذهم فارتدّوا إلى أقلامهم يُمدّونها بناتِ أفكارهم لكنّهم كانوا يسترقون النّظر حينا ويُطالعون أستاذهم أحيانا فإذا هو دونهم يربت على كتف هذا أو يهمس في أذن ذاك أو يشير استحسانا أو تنبيها أو نحو ذلك ممّا تأنس به قلوبهم وتتيقّظ له عقولهم فبعثهم بذلك على صدق الإيمان به خدينا وصاحبا وبأنفسهم قادرين على فعل نأتيه فرادى فرادةَ ذاتٍ تطمح أن تكون، وخطوٍ توخّى الطّريق إلى ما يريد، ونفسٍ تتوق، وحُلمٍ يَشوقُ هو فعل الكتابة.
أزف الوقت فأودعوا حروفهم ضمير أستاذهم. ولم تلبث أن نشأت (1) على ثغورهم أقاويلَ ضاحكةً وأحاديثَ منطلقةً، وفي فجر حياتهم خيطا من ضوء.
(1) نشأت: ارتفعت.
حينَ اختبار الإنشاء يتغيّر مشهد الفصل إلّا قليلا؛ يتراجع بعض النّجباء إلى المقاعد الوسطى أو الخلفيّة ويهجر بعض التّلاميذ مقاعدهم الرّكينة آخر القاعة إلى صدارة المجلس يتّخذون جلساء غير الّذين ألفوا وعبثا يحاول هؤلاء إخفاء غربتهم وأولئك إخفاء حرجهم ونظرةُ أستاذهم أبلغ من عبارة وأشدُّ.
اطمأن تلاميذه في مجالسهم أزواجا متآلفين لقديم صحبة أو لواجب النّصرة والرّفادة الّذي وَهَمُوا، وجرّدت أقلام ومدّت قراطيسُ. وتشوّفت عيون وقلوب تستطلع " الموضوع " حملته إليهم قصاصات تلقّفتها أيد عجلى. وكانت عيون دونها تشوّفا وأيد.
لم تلبث وشوشات وغمزات وحركات أن سكنت وقد طالعوا غيبَ ما وجسوا، وآن لأقلامهم الصّغيرة أن تَصِرّ ولأوراقهم الحالمة أن تَحُفَّ، ولساعِ الدّرس أن تُستصفَى فوائدُها، ولأوقات الجدّ أن تُجتنى ثمرتُها.
توسّط القاعةَ ينظر في عينيّ كلّ واحد وواحدة منهم أبوابا مشرعة إلى نفوسهم؛ يقرأ خلجاتِهم أدقَّها: ستّة أسابيع من الصّحبة، والبنوّة، ومن درس كانوا يصوغون مفرداته مرسلة أو منجّمة جمّلتها ألحانٌ قوّمها وأسْطار تعهّدها، وحيواتٌ بثّها في الحبر والطّبشور كانت كافية ليعرفَ لكلٍّ حاجةً سعى فيها، وليضع كلّا موضعه من مرقاة يريد بلوغها.
كان يبحث في عيونهم عن وميض عزم درّبهم عليه، وعن وهج إيمان بالقدرة غذّاهم إيّاه، وعن بريق أمل زرعه في نفوسهم...
كان يستمرئ سعادة غامرة وهو يشهد طقوسا في الكتابة يؤدّيها تلامذته منقطعين إليها منشغلين بها: هذه فتيحةُ تسارع إلى كتابة شواهدَ خوفَ نسيانها تَهْدِيها بعد حين إلى مسالك في النّظر قبل أن تتفحّص نصّ الموضوع، ولا يمنعها تفحّصها ذاك أن تلبّيَ طلبَ صديقتها تسألها قلما أو مسطرة...، وهذا مُحسن يُعْلِمُ بعض المفردات يَميزُها أو يخطّ أسفلها ثمّ ما يلبث أن يدوّنها على مُسوَّدَته ويمضي يكدّ خاطره في نشر تضاعيفها وهو بين تقطيب وتهلّل، وهذا عزّ الدّين ينظر كالشّارد في سماء الفصل يهزّ بيده بين الفينة والأخرى حتّى إذا أومضت الفكرة في عقله ضرب بجُمع يده طرف المقعد ظفرا وأودعها كتابه الّذي يكتب، ...
وكلّ امتاز في مقامه ذاك بحال اعترته.
وتفقّد تلاميذه الّذين استبدلوا بمقاعدهم الأليفة غيرها خوفا وطمعا فإذا بمن استنصروهم قد شُغِلَوا عنهم. ولعلّهم وجدوا – كما وجدوا- في الامتحان مُعينا على شوق يشتاقونه، وسببا إلى حياة يحيَوْنها، ومجلى لمهارة حاولوها صحبة أستاذهم فارتدّوا إلى أقلامهم يُمدّونها بناتِ أفكارهم لكنّهم كانوا يسترقون النّظر حينا ويُطالعون أستاذهم أحيانا فإذا هو دونهم يربت على كتف هذا أو يهمس في أذن ذاك أو يشير استحسانا أو تنبيها أو نحو ذلك ممّا تأنس به قلوبهم وتتيقّظ له عقولهم فبعثهم بذلك على صدق الإيمان به خدينا وصاحبا وبأنفسهم قادرين على فعل نأتيه فرادى فرادةَ ذاتٍ تطمح أن تكون، وخطوٍ توخّى الطّريق إلى ما يريد، ونفسٍ تتوق، وحُلمٍ يَشوقُ هو فعل الكتابة.
أزف الوقت فأودعوا حروفهم ضمير أستاذهم. ولم تلبث أن نشأت (1) على ثغورهم أقاويلَ ضاحكةً وأحاديثَ منطلقةً، وفي فجر حياتهم خيطا من ضوء.
(1) نشأت: ارتفعت.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع