الأصل غلاب...
يحكى أن ملكا نادى في المدينة باحثا عن حيوان عجيب يبهر الزائرين كي يتباهى به أمام زوار القصر. عين وزيرا خاصا و أوكل له مهمة الإختيار و أوصاه بالدقة و التبصر واختبار الحيوان اختبارا جيدا كي لا يكون هناك مجالا للخطأ... توافد على القصر مئات المدربين يعرضون حيواناتهم العجيبة من قرود خبيثة و بباغاوات كليمة وجيادراقصة و كلاب مطيعة و صقور مدربة ولكن الوزير لم يجد بينها حيوانا يرضي غرور الملك فكان في كل مرة يرفض العروض دون نقاش... نظرا لأهمية الرهان انتشر الخبر في سائر أرجاء المملكة و تهافت الناس على تدريب حيوانات أخرى على القيام بأعمال غير مألوفة ثم ساروا بها إلى القصر آملين في الظفر برضاء الوزير والفوز بالرهان للتقرب أكثر من البلاط ونيل الأعطيات ولكن الخيبة كانت مآل الجميع حتى احتاروا في أمرهم .ذات يوم جاءهم رجل يسعى من أقصى المدينة يحمل هرا جميل المنظر هادئ الطباع مطيع لسيده. أدخله حاجب القصر معلنا حضوره أمام الملك و الوزير وبعض الحاشية فتهللت أسارير الرجل و شعر بالنخوة وهو يخطو خطوات الواثق بنفسه. تكلم الوزير فقال:" أرنا ما لديك عل مولانا يجد في هديتك مبتغاه " تبسم المدرب ورفع قطه قليلا حتى يراه جلالة الملك وقال:" مولانا أتسمح لي بالكلام ؟" فرد الملك بإشارة من يده دون أن يكلف نفسه عناء الحديث. أشار الرجل إلى القط وحدث فقال:" هذا الحيوان الجميل أليف ، مسالم، مطيع وهو في خدمة جلالتكم فقد دربته على مسك شمعدان طوال فترة غدائكم أو عشائكم و من دواعي سروري أن تختبروه فإن نجح في مهمته أرجو أن تسمحو لي بالبقاء معه خشية عليه من دسائس بني جلده..." . أمر الملك بتجهيز مأدبة عظيمة وجيء بالهر فأمسك الشمعدان في هدوء حتى أكمل جلالته الأكل فانبهر به انبهارا عظيما غير أن الوزير بقي صامتا للحظات يراقب سلوك الحيوان وهو في عجب من أمره و فجأة تكلم فقال:" يا جلالة الملك اسمح لي باختبار بسيط فإن تخطاه هذا القط فلكم كلمة الفصل و أكون قد وفيت بوعدي فأحسنت الإختيار. وافق الملك على طلب الوزير بينما أحس صاحب الهر أن الإختبار ربما يهدم أحلامه و يفسد عليه الفوز ولكنه أذعن لأوامر الوزير الذي غاب للحظة ثم عاد يحمل بين يديه شيئا مخفيا فأمر بتجهيز مائدة جديدة. انتصب الهر حاملا الشمعدان كعادته و الملك منغمس في الأكل والكل في ذهول لدربة هذا الحيوان العجيب وفجأة أطلق الوزير فأرا في القاعة فنط القط كالسهم وراءه تاركا الشمعدان يسقط على ثياب الملك فتشب فيه النار ويعم الهرج المكان و تتسابق الأيادي نحو اللهيب خوفا على صاحب السمو ...أما القط فقد لحق بصيده الثمين فأمسك به بعد مطاردة بثت الفوضى في زوايا القصر. ضحك الوزير وقال:" أرأيت يا صاحب الجلالة أن الأصل غلاب مهما اجتهدنا في التربية و التدريب و ما من كائن بإمكانه التنكر لطبعه ولو تظاهر بعكسه...."
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع