رحلة في ذاكرة مغيلة
وفي خضم الاحتجاجات الشعبية الساخنة التي عمت مختلف المدن التونسية لم يكن للرئيس المغضوب عليه من حل سوى سياسة التضحية بوالي سيدي بوزيد وهو السبيل الأنجع بالنسبة الى جل الحكام العرب لكسب ثقة الشعب ولكن ذلك لن يجدي نفعا فكيف لمن تضوّر أعواما في جحيم الاستبداد والقمع والاذلال أن يحني الجباه لحكم استمر مدى الحياة لقد صدق الشعب التونسي مقولات لاظلم بعد اليوم ولامجال لرئاسة مدى الحياة ولكن الواقع السياسي لم يكن وفيا للبيانات التي تكتب في ظل حمى الاقبال على السلطة فقد ذاق الشعب ألوانا من المصائب والويلات التي جعلته مستعدا للانفجار في أي وقت يندلع له الغضب الصاعد من حناجر الثائرين ... كانت المواجهات حادة . لقد شملت كل جهات الوطن وازدادت غليانا بوفاة الشاب محمد بوعزيزي الذي انسحب من الحياة داخل مستشفى الحروق البليغة ولكأن النظام أعد هذا المستشفى دون أن يعلم أنه يساق بالقدرة الى نهايته فالحروق البليغة كانت تكوي قلوب المواطنين حتى ازفت ساعة النار الكبرى التي علت السنتها اللاهثة بمدينة تالة بولاية القصرين، واندفعت الجماهير الغاضبة إلى حرق المقرات الرسمية للحزب الذي أخنى على أحلامهم طيلة أعوام وشوه سحر الحياة .. صدامات عنيفة...دخان ..دماء عطرة تروي الارض التي ترمدت ويبست من القحط والاجحاف والتهميش ..وطالب المحتجون برحيل رمز النظام رغم سقوط القتلى والجرحى معتنقين التراب المقاوم في ربوع جهات لقبوها بمناطق الظل التي لا شمس تعانقها وفاحت رائحة الشواء والدماء بالقصرين و تالة و الرقاب وسيدي بوزيد ومنزل بوزيان وتفاقم سقوط الضحايا برصاص قناصة تمادوا في التنكيل بصدور عارية تقرأ على صفحاتها تاريخ الارادة والحياة والحرية والكرامة رغم ارتفاع عدد القتلى الذي توسعت له مساحة المواجهات إلى ولايات تونسية مجاورة كالقيروان. مما دفع رأس النظام المخلوع الى الظهور اعلاميا محاولا تدارك الوضع واعادة التوازن معتبرا الاحتجاجات العارمة ضربا من الأعمال الإرهابية التي تديرها عصابات ملثمة وصعد في الأمر وصوب ثم ظن أنه وجد المفتاح السحري لاخماد تلك النار الحامية فخطر له أثناء خطبته المرتعشة أن يصرح بالقضاء على البطالة التي دمرت أحلام جيل بأكمله من أصحاب حاملي الشهادات الجامعية وقد يئسوا من وعود النظام الزائفة وكلما أطل الرئيس من نافذة القناة الوطنية تفاقمت الاحتجاجات واتسعت رقعتها حتى وصلت العاصمة التي كانت تقول له وهو في صمم "لا عاصم لك اليوم من غضب الشعب " وغصّ شارع الحبيب بحشود المواطنين الذين هبوا من كل صوب لاسرتجاع الوطن المسروق منذ أحقاب ...
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع